22‏/02‏/2013

Manifesto | يا فتّاح يا عليم (2)

زياد الرحباني


ذكّرني مشهدٌ من مشاهد الحرب الأهليّة في سوريا الدائرة منذ أشهر، بآخر جلسةٍ جمعتني بأصدقاء سوريّين معظمهم من الوسطين الفنّي والصحافي، أصدقاء أقول أنا عنهم عظيمين، أصدقاء يعتبرون مثقفين وطيّبين، وهذا نادر لبنانيّاً، إن لم يكن معدوماً. فالثقافة هنا عكس طيبة القلب، عكس الهناء، عكس الرضى والبساطة. الثقافة في لبنان عكس سهولة المنطق السليم، المثقف هنا لئيم! وهذه ضرورة، يبدو لي، للتدرّج والتفوّق. المثقف هنا «صعب»، لأنّه «يدلّل» وينادي من على «كشّته» في المقهى، أيّ مقهى يدخله و«الكشّة» معه، ينادي على الثقافة على أنّها صعبةٌ لئيمةٌ مستحيلةٌ عليكم يا ناس! ولذلك فهو يكثر من استعمال عبارة: «المواطن العادي يعني». إنّه بذلك خلق تضارباً موجوداً وكأنه بالفطرة بين الثقافة والناس، فالناس يولدون مع الأميّة ضدّ الثقافة، وهم بالتالي ضدّ المثقفين، وهذا غلطهم. سامحهم الله! لذلك، قرّر المثقفون منذ زمن ما بعد الاستقلال، منذ ربّما نكسة الـ67، أنّهم ضدّ الناس وذلك من أجلهم، لأجل ذاتهم الغبيّة غير المدركة لمصالحها، والتي هُمْ (أيّ المثقفون)، الواعون الحصريون لها.

كانت أوّل مرّة أشعر في أواخر العام 2009، أنّ صفة مثقف، وإنْ رُميتُ بها في متجرٍ أو سوبّرماركت، أو على أمن عام المطار، لن أَنْفُرَ أو أُنْكِرْ أو أُجيبَ بأنّي: "لستُ منهم والله العظيم". شعرتُ في جلستنا تِيْكَ، في ضاحية من ضواحي دمشق العديدة، أنّني، نعم قد أكون مثقّفاً إذا كانت العبارة تعني أُناساً مثل هؤلاء السوريين الذين كنت بينهم في ذروة الاسترخاء والعفوية وبالتالي: الراحة. وأذكر كم استفدتُ من آرائهم ومداخلاتهم، وهم، بالمناسبة، أشخاصٌ معروفونَ جدّاً، محليّاً وعربيّاً، وقد كنّا في بيت أحدهم. وممّا حصل في هذه الجلسة أنّه خطر ببالي، لا أذكر على أثر ماذا، أن أطرح عليهم سؤالاً بشكل حزّورة، وكانت الساعة تقارب الرابعة فجراً، كان السؤال: ما هو عكس السوق الحرّة؟... غريبٌ هذا السؤال، أشعر اليوم بذلك، لكنّه لم يكن كذلك ليلتها. وقد جاءت الأجوبة على الشكل التالي، واعذروني عن عدم ذكر أسمائهم كاملةً لأسباب، رغم تنوّعها، كلّها: ثوري، نضالي، سلفي، محنّك!!! وأظنّ أنّ هذا سببٌ كافٍّ لعدم التشهير... كانوا سبعة أشخاص واللجنة التحكيميّة التي وُلدت بشكل مرتجل واعتباطي ولا أُسس لها، مثلها مثل السؤال، جاءت مؤلّفة من ثلاثة أشخاص: علاء، زياد (أنا) وبسّام. أما الأجوبة والعلامات التي كانت ركيكة جدّاً عموماً، ربّما لأنّ كلمة السوق الحرّة هي نفسها، لا معنى واحداً موحّداً لها بين المواطنين، سوريّين كانوا أم أيّاً يكن، وقد أتت الأجوبة على الشكل التالي:

السؤال: عكس السوق الحرّة

1 ـ باسل: الدكان 2/10

2 ـ ثورة: الإفلاس 1/10

3 ـ ليال: المصاري؟ 0

4 ـ نديم: البورصة (خارج الموضوع!)

5 ـ غادة: السوق المرّة (خارج المسابقة، وتشبه نكات بعض كُتّاب جريدة الأخبار، يا ويلهم من ألله)

6 ـ منال: السوق العادية 7/10

7 ـ وَجْد: السوق المُوـ حرّة... السوق المحسوبة 8.5/10

ما هي السوق الحرّة بالفعل؟ ولماذا قد توجد في أمكنة كالمطار، مثلاً، الذي يصبح جزء من مساحته خارج البلد الذي يحويه، مثله مثل مساحة السفارة؟ إنّ هذه السوق تكون حرّة، حصرياً، بعد أنّ قرّر بعض الرأسماليّين من التجار بالاتفاق مع دولتهم أو أيّ دولة أن تستغني عن حصّتها الضريبيّة على السلعة. ورغم أنّهم يحافظون على "أسعار الجملة" لديهم، تأتي السلعة بالمجموع أرخص على المواطن، وفي حالة سفره فقط، أي في الوقت الذي يصرف فيه بكثافة في مكانٍ آخر. هذه إحدى ميّزات السوق الحرّة، هذا اختراع، كالعادة، خبيث وملتفّ من اختراعات الحريّة، وأقصد الحريّة الوحيدة: حريّة المال. هل نقول يتبع؟ موضوع كهذا يمكنه دائماً أن يتابع ويتبع.



سياسة

العدد ١٩٣٨ الجمعة ٢٢ شباط ٢٠١٣

ليست هناك تعليقات: