30‏/04‏/2007

علميّاً (3)

زياد الرحباني
الاثنين 30 نيسان 2007
... وبالعودة الى المقالة السابقة حيث أشرنا الى نقطة أساسية هي: ماذا تفعل الرأسمالية المُدافعة «علناً» عن النوعية، والمقصود: ماذا فعلت تاريخياً بعلاقتها مع الكميّة؟
إنّ مبدأ رأس المال مبنيٌّ أساساً على المُراكمة ← التراكم.
أي: تكبير الكميّة مهما كانت النوعية. إن مفهوم الربح، بكل بساطة، هو = الكمية الكبرى من السلعة أو المال.
إن السلع نوعيات، أمّا المال فهل له نوعية؟
- كلاّ.
قد يكون له نوع بمعنى «العملة» أي: monnaie .
لذا يحرص رأس المال على أن تكون كمية الأرباح، نموذجياً، بكلّ العملات.
إن المجال الأسهل لاستيعاب مفهوم الكمية والنوعية، هو باب السلعة والسوق.
ملاحظة: نتناول هنا مفهوم الكمية والنوعية، من أحد جوانبه الاستنتاجية الفلسفية، ليس إلاّ.
إذ أنّه لا يمكننا الدخول في الجانب الاقتصادي منه
- أولاً: لأنّ شكل العمود الصحافي هذا، ليس المكان المناسب.
-ثانياً: لأننا لسنا المتخصصين الموصوفين في هذا الموضوع، خاصة أنه يؤدي حكماً الى مبادئ «الاقتصاد الرأسمالي» وقواعده.
وأصغر عبارة مركزية فيه: العرض والطلب، فائض الانتاج، القيمة الزائدة، نسبة المال مقارنة بالعملة، التقسيم الطبقي المعاصر، تَمَركُز رأس المال، تحديد البروليتاريا الجديدة في عهد العولمة الحديث بإذنه تعالى، ألخ...
لذا، أَقترح هنا، واذا استمرّت المداخلات على موقع «الأخبار»، ردّاً على مقال «علمياً (2)» على شاكلة ما ورد حتى اليوم، ان نُحكِّم أو نُحيل هذا البحث على دكاترة في الاقتصاد مثل: كمال حمدان أو شربل نحّاس، واذا استدعى الأمر، الوزير السابق الدكتور جورج قرم (لحياديته ربّما)....
إذاً، إن رأس المال يفضّل السيطرة الكاملة والدائمة على الكميّة وحركتها، تصاعدية كانت أم تنازلية.
مثل أن يقلّل من الكميّة المعروضة من السلعة X، ليزيد الطلب عليها ← زيادة لاحقة في المبيع.
أي أنّ نقصاً في الكميّة (سلعة) = زيادة في الربح (مال).
وكلّ ما نتعاطى فيه هنا هو: كميّة.
إن حلم رأس المال المرتبط باستمراره وتناميه، هو الامساك بطرفَي الكمّيتَين: كميّة السلعة + كميّة المال (هنا طبعاً).
فأين النوعية المزعومة؟ أين شعاراتها والرايات المرفوعة على المجمّعات الضخمة وفوق الطرقات الرئيسية، حتى على المناطيد الطائرة فوق ربوع بلادي؟
إن النوعية المذكورة موجودة أساساً في التسويق الاعلامي- الاعلاني وشعاراته «المثالية» وصور نسائه والأطفال، ناهيك بما تبقّى من الشجر والجبال، أكثر بكثير مما هي في السلع نفسها المتدهورة نوعيّاً يوماً بعد يوم، ولا أحد من «فلاسفة السوق» مهتمٌّ فعلياً بشرحها لجماهير المستهلكين عالمياً.
هل لدى رأس المال المُتنافِس، كما هو يريد ويُطالب، وقتٌ او همٌّ او حتى مصلحةٌ في تحسين النوعيّة؟ (خاصة في عصرنا اليوم، وبسبب المنافسة نفسها) (*).
اذا كانت الكميّة من الربح ستتأثر، خاصّةً لأسبابٍ حتمية مثل كلفة النوعية ← هبوط في كميّة البيع ← ربح المال = لا يُمكن.
هذا خيال علمي يُعرَض بعد منتصف الليل، وهل رأس المال هو الامام عليّ رضي الله عنه، وعن سيّدنا المسيح ليفعلها؟
ليرتكب «حماقة» أن يمزّق معطفه الوحيد الى نصفَين لِيَكسو برداناً لا يملك معطفاً؟ أو ليَعجَب كيف لا يخرج جائعٌ على الناس شاهراً سيفه؟!!
إن السيف أساساً، وبحسب رأس المال اليوم، مظهرٌ لا رَيب فيه من الظلاميّة (من أين تأتي؟ رأس المال لا يعرف ولا يفهم فهو يرى فيها عجيبةً كَونيّة).
إنّه، حالياً، الارهاب وانتهى الموضوع. عفواً لم ينته الموضوع، ينتهي فقط بعد القضاء الكامل على الارهاب طبعاً (!!) وحتى ذلك الحين، وبما خصّنا، نتابع يوم الأربعاء.إذاً، يتبع.
(*): لنا عودة الى هذه النقطة بالذات وبالتفصيل لاحقاً.

25‏/04‏/2007

علميّاً (2)


زياد الرحباني
الاربعاء ٢٥ نيسان ٢٠٠٧
من الخطأ أن يؤخذ المواطن بـ«البروباغندا» (أي التسويق لفكرة) التي تضع دوماً الكميّة في مواجهة النوعيّة.
والحديث هنا عن الفكر الرأسمالي وإعلامه على الكوكب. (لسنا إطلاقاً في معرض الحديث عمّا ورد في تاريخنا الماضي القريب عن جدلٍ حول الكميّة والنوعيّة، أرجوكم).
إن مواجهة الكميّة بالنوعيّة لدى أصحاب رأس المال، وفكره طبعاً، المتزامنة دوماً مع الترويج لفكرة: أن النوعيّة هي هاجس النظام الرأسمالي لا الكميّة، هي أكبر أكذوبة كلاسيكية ركنت إليها الرأسمالية لإقناع الناس بحسنةٍ ما فيها. في نظامها المدموغ كيفما لطّف وجهه المتوحّش، بالاستغلال الحرّ والمفتوح للإنسان، حتى آخر برهة قبل أن يفطس.
هذا الاستغلال الذي لا ينكره رأس المال، بل يلعب على تجميل مفرداته، تارةً بالمبادرة الفرديّة وتقديس الملكيّة الخاصّة، وطوراً بالمنافسة من أجل النوعيّة.
وهذا، بحسب الرأسمالية، ما يجعلها أرقى وأكثر إنسانيةً وتطوّراً (!) من الاشتراكية.
وإن سلّمنا بوجود واستمرار هكذا جدل، وإذا كان لا بد من خيار، فأنا دوماً مع الكميّة، يا إخوتي، وخاصة أن دعاية الرأسمالية حفظتُها وأول شيء فعلته أني جعلتها لا تنطلي عليّ.
إذ ماذا تفعل الرأسمالية المدافعة عن النوعيّة بالكميّة، عادةً، سلعةً كانت أو بشراً؟ هل مرة أهملتها تاريخياً؟ هل مرّت مرّةً عليها مرور الكرام؟
هل تركتْها مرّةً بسلام؟(*) وما موقف الرأسمالية إذا طوّر نظامٌ معيّن (وهو موجود على الأرض) كميّةً من النوعيّة؟
ما المشكلة في ذلك؟
وإن كان فعلاً لا مشكلة في ذلك، إذ إن هذا كان ربّما أحد أهداف الرأسمالية نفسها، زوراً!!، لماذا تعاديه؟ (أي النظام المذكور).
أساساً، ما مستقبل النوعيّة إن أصبحت كلّ الكميّة نوعيّة؟لقد أصبح الشيئان شيئاً واحداً واسمه، أو: «النوعيّة» أو: «الكميّة» أو: «النوعيّة الكميّة» أو: «الكميّة النوعيّة».
أظنّ أن الرأسمالية ليست في وارد هذا النوع من الهم، بدليل أنها بشّرت وما زالت، بأنهما شيئان ومتناقضان.
وأنها بين الشيئين، تفضّل النوعيّة.
أما لماذا تحاول أن تشتريَ أو تبتلعَ أو تُغْرِقَ أو تُحاصِرَ أو تحتلّ (ولكل مقام مقال) كلَّ الكميّة بل الكميّات؟
لا جواب واضحاً في ذلك، لا في الاقتصاد ولا في السياسة ولا في الأخلاق ولا في البورصة ولا في مجلس الأمن، إلى آخره.
لماذا هي مضطرّة لإرسال ثلاثين ألف جندي إضافي إلى العراق، مثلاً، إضافة إلى مئة وعشرين ألفاً (مثلاً)، إذا كان جيشها هو عنوانَ النوعيّة، بل خلاصتَها؟
أليست كبيرةً هذه الكميّة؟ أوليست أكبرَ بكثير، وخاصةً إذا كانت كلُّها نوعيّة؟ (وهذه نسبية).
إن المشكلة، هنا مثلاً، أنّ القوات الأميركية، تواجهُ مقاومةً نوعيّة، والأسوأ أنها كميّةٌ من المقاومة النوعيّة.
والسلام عليكم.
* لنا عودة إلى هذه النقطة، وللبحث صلة.
(يتبع بعد غد)

23‏/04‏/2007

علميّاً

زياد الرحباني
عدد الاثنين ٢٣ نيسان ٢٠٠٧
آخر كلمة في مقال زياد الرحباني يوم الجمعة الفائت كانت في الأصل شيئاً وحوّلها الخطأ المطبعي شيئاً آخر. لذلك نعيد نشر المقال، بالإضافة إلى مقطع آخر مستقل.
يجب، بعكس كل الولولة، فضلاً عن المناحة الدائمة والمجانيّة أحياناً، الاعتراف بأن أكثر المتضرّرين من أيّ انفجار هو: القنبلة نفسها، أي المنفجر، بالاختصار. فهذا ربّما أفضل إثبات على أن البادي دوماً هو الأظلم، وبالتالي الأكثر انظلاماً.
***
تنظر إلى عينَيْ امرأة معيّنة أحياناً، فتشعر أنّ لديها عيناً ثانيةً داخلً العين الأساسية، لكثرة البُعد، أو العمق في الغموض ضمن نظرتها. والعين الداخلية الثانية أصغرُ طبعاً. وتشعر أيضاً، إن حدث لك ورأيتَ الأستاذ جهاد أزعور، يبتسم مرةً، أنه على الأكيد، وزير المالية. المالية والرعب.
اجزاء ملف "علميّاً ":الجزء الأول الجزء الثاني الجزء الثالث الجزء الرابع الجزء الخامس

20‏/04‏/2007

علميّاً

زياد الرحباني
الأخبار - الجمعة ٢٠ نيسان ٢٠٠٧
يجب، بعكس كل الولولة، فضلاً عن المناحة الدائمة والمجانيّة أحياناً، الاعتراف بأن أكثر المتضرّرين من أيّ انفجار هو: القنبلة نفسها، أي المنفجر، بالاختصار.
فهذا ربّما أفضل إثبات على أن البادي دوماً هو الأظلم، وبالتالي الأكثر انطلاقاً.

18‏/04‏/2007

معركة أخرى

زياد الرحباني
الاخبار 18 نيسان 2007
ظننّا في البداية أنّه بارد الأعصاب، فتبيّن مع الوقت أنّه بليد، ليس إلّا.
وصار يُفترض بنا، منذ تلك اللحظة، أن نكون باردي الأعصاب كي نتحمّل بلادته.
هذا كل ما في الأمر.
يبدو الأمر بسيطاً، كلّا إنّه ليس كذلك، فهذا أيضاً نوع من البلادة في الاستنتاج.
أعزّائي، إنّه لم يفعل أدنى شيء، حتى.
لم يتقصّد حتى إفهامنا بلادته، فهو بليد وقد اكتشفنا ذلك لاحقاً.
نحن من ظننّا أنّه بارد الأعصاب، ثمّ عُدنا ودُهشنا لاكتشاف البلادة.
نحن من يفعل الشيء وعكسه، نحن من يبدّل في المواقف، وهو ثابتٌ وبليد.
نحن المخطئون إذاً، فالوحيد الذي لا يخطئ هو من لا يفعل شيئاً.نحن من حاول أن يحلّل، ويتذاكى ويتعمّق في التفكير الخاطئ.
لقد كسب المعركة دون خسائر تُذكَر: إنّ خسائره صفر.
يبقى علينا الآن أن نفكّر قبل أن نفكّر، حتى لا نفكّر بشكل خاطئ، هذا إذا أردنا أن نكسب المعركة.

16‏/04‏/2007

«Al Hiwar»


زياد الرحباني
الاخبار عدد الاثنين 16 نيسان 2007
ـ 8 آذار: (عربي مَحكي) خِدلَك شَقلِة عا مقابيلي (أي: احملْ معي).
ـ 14 آذار: (عربي ـــــ أكثرية) ?Keef yeeni (أي: كيف يعني؟ بلغة 8 آذار أو آذار بمجمله عادة).
ـ 8 آذار: (موضحاً) شقلة شقلة!
ـ 14 آذار: ?c’est quoi cha’leh (أي: ما هي الشقلة؟)هنا توقف الحوار.
كيف يمكن هذا الحوار البسيط ألاّ يتوقف وبالتالي يستمرّ؟ هنا السؤال.
يبدو السؤال بسيطاً وربما سخيفاً، إذ إنّ «الشَقلِة» ليست مهمّة وطنية. وإذا افترضنا أنّ «عا مقابيلي» أيضاً غير مهمة لا بل سخيفة، تبقى لدينا كلمة: «خِدلَك»، وهي وحدها لا تعني شيئاً، أو بالعكس قد تلتبس على بعض الناطقين من 14 آذار، لكونها مشتقّة (دون أن يعرفوا معنى مشتقّة، وهذا أيضاً ليس مهمّاً) مشتقّة من فعل: أخَذَ ـ يُؤخَذُ ـ لذا ربما فُهمت «خِدلَك»، خطأً، أنها: «خود»، وما أدراك ما هي: «خود».
إنها «خُذ» بلغة قريش، بالتالي دار الإفتاء أيضاً، وربما فُهمت بسبب سوابق التفاهم العالي بين فريقي آذار، كشتيمة بذيئة.
وهي لا ناقة لها ولا جمل.
وهنا أيضاً الناقة لا تُتَرجم. ربما الجمل، لكونه صورة الشرق الدائمة المختَصرة التي روّجها الاستعمار من الميدان حتى الثقافة، منذ بدايات الألفية السابقة حتى اليوم وربما حتى النصر.
التحليل طال لكنّه ضروري. فالمشكلة ليست في هذه الجملة من الحوار، المشكلة واقعة مع بدء أيّ حوار، وخاصة، طبعاً، المصيري الوطني العام منه، الملحّ جدّاً.
فهلاّ تفضّل بعض حلفاء 14 آذار المتشدّقين عادةً، وخصّصوا شيئاً من وقتهم للترجمة بين بعضهم، قبل الانقضاض على النصف المعطّل وشروط المحكمة الدولية وآخره تسليم بل تنظيم سلاح المقاومة؟
أين شباب الجبل التقدمي الاشتراكي من الترجمة؟ فالعزّ عموماً بالعربي. أين البيك الذي ورّط الجميع بالتجمّع والتحالف ضدنا أوّلاً ومن ثم ضد باقي العرب الممانعين بدءاً بسوريا؟ تَرجِموا لحلفائكم أولاً.
إنّ أكثرية أهالي بيروت والسنّة عموماً، يفترض بهم أن يعرفوا ما هي «الشَقلِة» وأين هو «مقابيلي»، فأين هم من الترجمة أيضاً؟
ربما أقليّة شابّة منهم تكثر لغوياً من الـ peace والـ In والـ cool صلّى الله عليه وسلّم، لا تعرف هذه العبارات «المتوحّشة» و«السافلة».
لذا فالترجمة هنا مصيرية بالتلازم مع الحوار، وإلا فإنّ انفراط عقد 14 آذار لم يعد بعيداً وبالتالي مَن سنحاور بعد ذلك لا سمح الله؟أين دريد ياغي؟ أين أنت يا أكرم؟
«حَيلَك عالحلفا!»، أظنّك والجبل تعرفان ما «الحَيل» ولن نضيّع وقتنا بترجمتها لمن لا يعرف ما هي «الشَقلة».
أين القحباء لا تترجم؟ فهي عموماً، بالإضافة الى اللغات المحكية، تتقن لغات إضافية إيمائية وأيضاً بالعيون.
أين الشاعر المخضرم طليع حمدان؟
أين زغلول الدامور الذي هجّرته «الحركة الوطنية» بهفوة لا تُغتفر ولا نحبّ أن نتذكّرها، لكنها ليست بحاجة، لأنها، بحدّ ذاتها، لا تُنسى. أين «الريّس» سليم دياب الذي يعرف، على الأقلّ، لغات ثلاثاً بالإضافة الى «اليابانية الحصرية» لتعدّد الوكالات التجارية الإنسانية التي يتربّع عليها...
ترجموا بعضكم لبعضٍ يا إخوتي ثم ادعوا للحوار. أو أرسلوا أحداً يتكلّم العربية العادية.
أجل، إن الرئيس السنيورة بليغ بالعربية وكان من الممكن أن يفي بالغرض لكنّه غير متمرّس بـ«المنطق»، لذا يمكنكم، ولاختصار الوقت، أن تنسوا الترجمة ربما، وتُرسلوا شخصاً الى جانبه منطقيّاً نوعاً ما، حتى نبدأ هذا الحوار.
لقد تأخر فعلاً لكنّه لم يزل لدينا بعض الوقت. يعني «يلعن إخت هالشَقلِة»!!!
***
بالمحبّة والـ E-mail
كِل شي عم نِبنِي بالـ weil

13‏/04‏/2007

واتبعني...

زياد الرحباني
الاخبار عدد الجمعة ١٣ نيسان ٢٠٠٧
عيسى: يا أخي ما القصة؟ أوليس لديكم شيء آخر، أنتم الروم الأرثوذكس، سوى معاكسة الموارنة؟
مخايل: أعوذ بالله مَن قال ذلك؟
عيسى: هذا أمر واقعي يا مخايل، راجع التاريخ في العهود والمراحل المفصليّة، سترى، بل يُخيَّل إليَّ أنكم تنتظرون الموقف الماروني حتى يصدر لتعاكسوه.
مخايل: وحّد الله يا عيسى، ها هو عيد الفصح جاء مشتركاً هذا العام وقد عيّدناه معاً، روم وموارنة، ولم يسجّل أيّ حادث يذكر، حتى مصادر قوى الأمن والجيش أقرّت بأنها لم تسجّل ضربة كفّ واحدة، تصوَّر!
عيسى: ربّما، لكن كل ذلك في المظهر، أما الباطن فغيره تماماً. الروم باطنيون ولا يظهرون ما يضمرون إلاّ بعد أن يعلن الموارنة موقفاً واضحاً، وقتها فقط تسمع بالروم ويكونون عادة على عكس الموارنة تماماً.
مخايل: عيسى، أرجوك افهمني، نحن عادة نحبّ الصواب، لاحظ كيف أن الروم الأرثوذكس نادراً ما يفقدون صوابهم (إشارة من عيسى) لا تقاطعني أرجوك، وبما أن تاريخ «المارونية» في السياسة حافل وهم، بحسب الميثاق، الكلّ بالكلّ.
عيسى: أنت تهزأ.
مخايل: أبداً، إن الموارنة هم مَن يميّز لبنان، لكن الحاصل يا أخي، أنهم يمضون الوقت، وفي رأيي يضيّعون الفرص لإيجاد الصواب، وبدلاً من أن يجدوه، يجدون عوضاً عنه طرقاً لإضاعته.
عيسى: غير صحيح، هذه نظريات أرثوذكسية (قاطعه مخايل):
مخايل: دعني أُكمل، وبما أن الأرثوذكس يفضّلون أن يكونوا على صواب، كحال البشر عموماً، فقد تعلّموا مع مرور الزمن الماروني، أن ينتظروا حتى يأخذ الموارنة موقفاً ليأخذوا فوراً، دون جهد أو تفكير، الموقف المعاكس، فيجدوا أنفسهم على صواب. وبما أن «المارونية» مخطئة عموماً، عفواً، تجد الأرثوذكس دائماً على حق.
عيسى: ما هذا الكلام؟مخايل: صدّقني، ليست مسألة تفوّق أو عبقرية، إنها مجرد خبرة اكتسبوها بعد أسابيع على الاستقلال.
***
الفرق بيننا وبين «محبّي الحياة ومريديها» الذين يتّهموننا بثقافة الموت وبخشب اللغة والتوابيت المرافقة، وبالاستشهاد والانتحارية، هو أننا اضطررنا لأن نكون انتحاريين وذلك لكسر الميزان المكسور تاريخياً بيننا وبين إسرائيل لمصلحتها. وقد نجحنا، لسوء حظ محبّي الحياة والربيع والربو والثورة البرتقالية التي انتهت البارحة بالضبط في أوكرانيا المُلْهِمَة، بالرغّم من أنها كانت، رحمها الله، أحقّ وأصدق نسبياً من «ثورة الأرز». فلا الأرز برتقالي ولا صحيفة «النهار»، فالديك مُزْرَقٌ كالمستقبل «الأسود السماوي» و«الحكيم» أبيض مثل الثلج، أما جنبلاط فـ«فوشيا». وخليط هذه الألوان، كيفما تغيّرت النسب، لا يعطي البرتقالي، إنه على ما بدا حتى الآن، يعطي مشاريع انتحارية لونها غريب ويضيف إلى العجائب السبع، ومنها أخيراً «البند السابع» نفسه، كمثل الحكومة الموعودة اللبنانية المؤلَّفة بموجبه، والأمم المتحدة هناك ونحن هنا! إن إسرائيل نفسها، اسألوا الإسرائيليين، تفضّل، وباستثناء مشروع دولتها، التعامل مع الانتحاريين على المشاريع الانتحارية.حكمة الأسبوع: إن المشاريع الانتحارية تنتج، سبحان الله، مزيداً من الانتحاريين لصدّها.
***
... بعدها، وقف «سيّدنا» بهدوء، واتّجه صوب صخرةٍ ناتئةٍ مجاورة، واستدار موجّهاً حديثه إلى تلاميذه وبعض الرهبان (لم تذكرهم الأناجيل).
سيّدنا: أنتم مِلْحُ الأرض، هل فهمتم؟
الكل: (يهزّون الرؤوس موافقين).
سيّدنا: وإن فَسَدَ الملح، فبماذا يُمَلّح؟
راهب: بالثوم يا معلّم!
سيّدنا: «سدّ بوزك» واتبعني يا محترم (مشى ثم التفت) وأنتم أيضاً اتبعوني!وعاد سيدنا ودخل الهيكل متشنّجاً واتّجه إلى زاويةٍ حيث التجار اليهود يعيثون فساداً.

10‏/04‏/2007

معايدة


زياد الرحباني
جريدة الأخبار - الثلاثاء ١٠ نيسان 2007
ــ المسيح قام.
ــ حقاً قام.
ــ أجل وهل تريد أن تعرف لماذا قام؟
ــ إنه قام ليطأ الموت، بعد أن أتمّ دوره على الأرض، فاستعاد ألوهيته الكاملة ليرى ذلك أبناء إسرائيل.
ــ آمين يا رب هذا معروف بل مقدس. لكن هل تعلم لماذا قام هذه السنة ومنذ يومين؟
ــ لماذا؟
ــ قام ليرى إن كان الرئيس السنيورة سيقوم هو الآخر.
ــ آه وماذا حصل؟
ــ صدف أن “القحباء” كانت واقفة تسأل والوزير مروان حمادة يجيب مبشراً خاطباً فينا “وأيضاً وأيضاً الى الرب يطلب” أن يخلصه من السيد حسن. والرب سبحانه لا يجيب. فوليد بك قد تولى ذلك بما بقي من التخبيص والهذيان الممتاز.
ــ وماذا فعل سيدنا المسيح؟
ــ استعاذ بالله ـ الاب وبالروح القدس على ما أظن، وصعد الى السماء.
ــ وما المتوقع بعد ذلك؟
ــ فور وصول سيدنا سيجتمع الثالوث المقدس بهذا الخصوص.

06‏/04‏/2007

الغباء الرحيم


زياد الرحباني
الأخبار - عدد الجمعة 6 نيسان 2007

أولاً: أرجو من القرّاء الكرام إتمام القراءة حتى النهاية، قبل إصدار أي رد فعل عدائيّ مع أولى كلمات هذا «الشيء» التالي:

ثانياً: أعزّائي، تحية وبعد...

إن اتّهام المرأة بالغباء المفاجئ ليس معيباً ولا مهيناً ولا حتى عنصرياً، وخاصةً أنها صفةٌ غير قائمةٍ بحد ذاتها، فهي ليست الوحيدة، لا بل هي (بخلاف ما يتبادر إلى أذهانكم ولا أعرف مصدره تاريخياً) أسلم الصفات وأكثرها إنسانية لديها ودون منازع (وأعني: المرأة).إن الغباء عموماً، غير محبّذٍ أينما حلّ، أدري، لكن الغباء المفاجئ عند المرأة، محمودٌ مشكور.
إنه مباركٌ مبروك.

فهو فطري ومتوازن بالغريزة، إذ إنه لا يظهر ويتفشى إلاّ في لحظة الرفق بالمجتمع العام، عند حلول الرأفة بالبشرية عليهنَّ (وأعني: النساء)، وهي، عادة ما تكون قبل آخر رمق، ويسمّى بالمحكي اليومي: في اللحظة الأخيرة، وتكون طبعاً دائماً، مناسِبة.

تكون ويحلّ من بعدها فوراً: الحمد لله.
أعزّائي، إن عارض الغباء العابر الموقوت (إذا جاز التعبير) يعيد إلى المرأة رونقها الأساسي، وجهها الطفوليّ الأزليّ، عجزها المزعوم المثير لكل أنواع الإثارة، تتصدّرها الشفقة.إنه، سبحان الله، يعيد إنعاش فُتات الرجولة المتطاير في كل «حدب بلا صوب»، طوال اليوم. إنه غباءٌ رحيم.

هكذا شاءه الخالق.
غباءٌ أراده، ليُطَمْئِنَ الرجل إلى أنه، إن هو احتملَ مسار الشرّ المنعَّم، المبيَّت المنسّق، الثابت المتسرّب منها، والمتغلغل فيه دونما كلل، مسار الشرّ المُلطَّف بالعناق، المجاور للخناق المسهَّل كالرواق، حتى بلوغه شعور دنوّ الأجل والاختناق ــــــ إن هو فَعَلْ، حلَّ فيه هذا الغباء،

حلّت فيه نعمةُ هذا الغباء.

إنه أساساً، الصفة اليتيمة الوحيدة التي، في هذه اللحظة، «تكسر الشرّ».

وكيف لا؟ فهو يثير لديه السخرية ومن ثم الضحك فيتحوّل ليثير عنده، وهذا ما يحدث دوماً، الشفقة.

هنا، تكتمل الدورة وينتقل إليه الغباء.

لكن الفرق هنا كبير.

فغباؤه جدّيٌّ ونهائيّ، ناضجٌ، فهو أصيلٌ موروث.

غباؤنا ثابتٌ، فهو مرتبط بقيم تلازمه تاريخياً كالعنفوان والعزم، كالبأس والفأس وكل ما إلى ذلك من دهاء فغباء.

تَكْره المرأةُ الشفقةَ في صميمها، لكنها تستثيرها بالغباء.

وما سرّ ذلك؟ لا ولن أدري، وما همّ فهل هو السرّ الوحيد؟ المهمّ أن كرهها للشفقة يستثير لديها الشرّ فيبدأ النهار هكذا، وهكذا ينتهي النهار.

هَلّا أعدنا حساباتنا، والأَوْلَى انطباعاتنا عن الذكاء والغباء؟

أرجوكم، ما هو وأين هو الذكاء؟

ملاحظة: جمع امرأة = نساء!

05‏/04‏/2007

بيان



زياد الرحباني
الأخبار الخميس 5 نيسان 2007
فلنراجع بعض الشيء أين نحن اليوم.سبق أن قلنا، على أثر استشهاد (*) الرفيق الأعلى جوزف نصري سماحة، في تعبير أولّ حدوُدهُ صفحةٌ في جريدة، كائناً مَن أو ما كانت ـــ قلنا، رداً على عنوان هذه الزاوية نفسها: «ما العمل؟»، ما معناه: اليوم اكتشفنا ما هو العمل.
إنه ليس سوى: العمل نفسه.
وقلنا أيضاً: «إلى العمل».
هذا هو العمل وقد اهتدينا إليه أخيراً، اليوم. وقلنا أيضاً إن العمل كثير.
أعزّائي القرّاء، أنا مَن اختار التصريح بذلك من بين «الرفاق» والزملاء، ولم أكن أصوغ جملةً إنشائية، كما أنه لم يكن تعبيراً انفعالياً.
إني فعلاً شعرتُ بالحماسة الكبيرة لمزيد من العمل، لا شيء سوى العمل، وخاصة أن هذا العمل كثير، وكثيف.
وربما وللاختصار وقتها، ضمن مقال في جريدة، لم أوضح تفاصيل أكثر من ذلك.
إن العمل الصحافي، وعلى الصفحة الأولى، كما أراده بعض من مجموعة الجريدة ـــ «الأخبار»، ليس أبداً المكان المناسب لطرح تفاصيل هذه المسائل ولا لأيّ من التفاصيل عموماً.
إن العمل وكل عمل بالمختصر، تلزمه خطّة للعمل، كما يلزمه فريق للعمل، كما يلزمه مزيدٌ من التفرّغ والانخراط في هذا العمل.
وهذا ليس كله مؤمّناً حالياً، ويجب ألّا يبقى الوضع كذلك...
إن البلاد ليست، كما يقال، على شفير الهاوية. إنها تاريخياً وجغرافيّاً، كذلك، منذ خُلِقْنَا.
إن محل الإقامة: شفير الهاوية.
ورقم السجلّ، رغم تغيير «النفوس» والمخاتير لا يتغيّر، وهو في ما خصّني: 59.
أعزّائي، اجتماعاتٌ كثيرةٌ بدأت هنا وهنالك، في هذا الخصوص، وهي حتى الآن غير كافية على الإطلاق.
وأعدكم أن الشيوعيين (وهي، أي: الشيوعية، كبيرة جداً على مجتمعنا ويجب البدء أساساً بإيضاحها) أوسع وأقوى بكثير مما تظنون.
وأكثر من يعي ذلك، هم الرفاق في حزب الله، يا للمفارقة.
إن ذلك حاصلٌ فقط لأنهم جدّيون. بالمختصر، إن الأمور ستنتظم تدريجياً أكثر فأكثر، وضغط العناوين اليومية بما يسمّى شعبياً المستجدات علينا، سيخفّ، بل يجب أن يخفّ.
فنحن نتكلّم عن صراع «ماضٍ جداً»، أي قديم بقدم تطور المجتمع البشري ومستمر حتى الانهيار الشامل لرأس المال على شكله المعولم الجديد.
ملاحظة: إن الشيوعيين في لبنان على سبيل المثال، هم أنفسهم لا يعرفون حجمهم بالضبط، طبعاً فذلك مرتبط بالتفسير النهائي لكلمة الشيوعية.
(*) راجع مقالة الأستاذ أنسي الحاج بعنوان: «موتٌ كموتكَ قَتْل».
إن جوزف سماحة بالنسبة إلي أيضاً، مات وكأنه استشهاد قسريّ، كأنه اغتيل تدريجياً وبهدوء.

04‏/04‏/2007

غــــداً


زياد الرحباني -
جريدة الأخبار عدد الاربعاء ٤ نيسان 2007
مقالة اليوم غداً، أما الجمعة فكالمعتاد. وذلك لزحمة المستجدات الوطنية الكبرى، وعجز العقل العادي عن الإحاطة بها كلّها يوماً بيوم. ادعوا لنا.

02‏/04‏/2007

حوار العمر

زياد الرحباني
الأخبار الاثنين 2 نيسان 2007
الحاضر- طيب، سؤال: أليسَ ممكناً أن يكون عندكم في المستقبل، أي شيء آخر، غير السنّي أو الماروني؟
المستقبل- (مستغرباً) من قال لكم ذلك؟ نحن عندما نتكلم عن المستقبل نقصد به مستقبل «اللبناني» دون أي تفرقة.
الحاضر- بالضبط، وأنا أتكلم عن هذا «اللبناني»
المستقبل- نعمالحاضر- هل يمكن أن يكون هذا «اللبناني» شيئاً غير السنّي أو الماروني على سبيل المثال أو عن طريق الخطأ أو الضيافة مثلا؟ أعني من فترة لأخرى، ليس دوماً، طبعاً. أفهم ان يكون سنياً- مارونيا،ً بلا شك، كما الاستقلال، بطبيعة الحال.
المستقبل- (مقاطعاً) لا لا، بالعكس هذا ليس صحيحاً. هذه اشاعات عن المستقبل ليس إلاّ، ونحن المستقبل، ونحن ضدّها بالتأكيد.
الحاضر- ضد من؟
المستقبل- (موضحاً) ضد هكذا نوع من الاشاعات المأجورة. إننا مستقبلٌ لكل اللبنانيين بدون استثناء، لكنني أود أن أوءكد هنا: اللبنانيين! وحصراً. أي ليس من هم إيرانيون أو سوريون لا سمح الله، فهمتني؟ آهه، هكذا. نحن، الشيعة أخوة لنا. كيف المسيحيون أخوان لنا؟ الشيعة أيضاً كذلك.
الحاضر- أهه... جيد. إذاً قلتَ أنك من المسقبل، أليس كذلك؟
المستقبل- طبعاً.
الحاضر- أعرِّفك بنفسي، فكما أنت من المستقبل، أنا الحاضر، لذا تجدني دائماً وبشكل يومي.
المستقبل- اهلاً تشرفنا (صمت من اللياقة المشبوهة)
الحاضر- أهلاً بك أيضاً. هل تود ان تعرف لِمَ أنا حاضر؟ او لِمَ كلُّ واحدٍ منّا حاضر؟
المستقبل- إنكم طبيعياً حاضرون للمستقبل
الحاضر- شكراً، أي حاضرون لكم. فلا تتفاجأوا بشيءٍ وخاصة بنا.
المستقبل- ومن قال أننا سنفعل؟
الحاضر- ربما، فأنتم عموماً تتصرفون كأنكم وُجدتم فجأةً دوننا، وأنا هنا أذكِّركَ أنَّ لا مستقبل بدون حاضر.
المستقبل- هذا معروف.
الحاضر- أرجو ذلك، لذا نحن لسنا حتى متساوين، فنحن من ينجبكم عادةً وانتم أولادنا، نحن من يحملكم حتى تبلغا، فتذكّروا ذلك جيداً، وتفضلوا بالاجابة علينا متى كَلَّمناكُم.
المستقبل- ولِمَ لا تَفكون الخيم أولاً؟
الحاضر- إنَّ هذه الخيم منصوبة حالياً، فهي: نَحنُ، وهي: الحاضر. فهل ننصبها اليوم ونَفُكُّها اليوم؟ سَنَفُكُّها يوماً ما في المستقبل!!!المستقبل- أي متى يعني؟
الحاضر- متى تأكدنا أنَّ لنا فيه شيئاً، وهو ليسَ أنتم بمفردكم. صراحةً، نحن نخاف من مستقبلٍ لكم لا مُستَقبَلَ لَهُ، لِذا، الخيم باقية «حاضرا»ً « » « » « » « »... الخ.