30‏/03‏/2007

فوراً أرجوكم!


زياد الرحباني
الأخبار الجمعة 30 آذار 2007

... لذا يا إخوة، وبعد كل ما مررت عليه من عقائدَ وقناعات، عبر السنين، بعد كل الأخذ والردّ في مواضيع بسيطة جداً في الأساس، إنما سمّوها عن غير رغبة في التحقيق: وجدانية، بعد الشيء وعكسه، بعد الفعل ونقيضه، بعد عهودٍ من السهر المديد، والتأكّد شخصياً من أنواع الفجر على امتداد أشهر السنة، وبعد النهوض باكراً بغية التثبّت من أن الحياة قد تكون عظيمة بهذا الشكل، عدتُ وسلّمت في النهاية: بأنّا للّه وأنّا إليه راجعون.

واعترفتُ، وها أنا أكرّر أمامكم أن هذا الاعتراف هو أفضل أنواع المصائر التي يمكن أن نتمنّاها لأنفسنا ولكلّ نفسٍ بشريّة، شريفةً كانت أو دنيئة.

وها أنا أعترف أيضاً بالجنّة وبالنار، والأصحّ أنّي أُسلّم معكم جميعاً بذلك.

فأنتم أكثرية كبيرة مؤمنة، منتشرة في المعمورة، لها ظروفها التاريخية، لها عاداتها والتربيات المختلفة التي أجمعت، بصعوبةٍ، على بعضٍ من مزايا الخالق والكون. تناقلت تلك القيم عن السّالفين، وبدورها نقلتها لكم.

وها أنتم تنقلونها لأحفادكم، وأنا واحدٌ منكم أو منهم، لا فرق، فأنا لن أعاكسكم، أو أعاكس أحداً وحدي في ذلك.

لا أنا، ولا ربّما بعض الأفراد «الماديين» والتعساء عموماً. فالمؤمن يَغْلبنا جميعاً بإيمانه بالآخرة، بأملٍ ظاهرٍ عليه، أتمنّى له أن يكون صادقاً، فهو الخسران إن كذب.

يغلبنا بأمله في حياةٍ ثانيةٍ فيها كل المعنى المفقود خلال حياته الحالية على الأرض.

فبناءً على ما سبق، أعلن لكم، أولاً: أنّكم، الأرجح، على حق، وأنا أؤيّدكم، حتى لو كنّا متفاوتين بنسب الإيمان أو بمعدّل حضوره المستقرّ الدائم. ثانياً: لذا أطلب منكم، بحياة أعزّ أحبائكم، بجاه الله، ومريم البكر والنبي (ص)، وأُحلّفكم ببعضٍ ممّا قد تكنّونه لي من المحبّة العموميّة التي تدعو إليها جميع أديانكم، بما فيها اليهودية، وأطلب منكم: إن كان لديكم شيء، أو بالأحرى أطلب ممّن لديه شيء يحبّ أن يريني إيّاه، فليفعل فوراً، أو لنقُل في أقرب وقت ممكن، أرجوكم. فأنا، لظروف خاصة، غير مستعدّ لأن أنتظر ذلك إلى ما لا نهاية أو إلى ما بعد ولوجي الجنّة أو النّار، لا سمح الله.

إذا كان أحدكم يعرف شيئاً عن مستقبل باريس 3، أو مَن تبقّى من المهجّرين، أو عمّا وصل إليه السيد فؤاد بطرس في قانون الانتخاب الموعود الجديد، أو أيّة لمحةٍ مقتضبة عن جدوى الفدرالية، إذا كان ممكناً أن نعرف أين صار التحقيق في «الليبتون» وثكنة مرجعيون، فليقل لي، وعلى هذه الأرض.فأنا، إن كنتُ سأكون في الجنّة يوماً ما، لا أحبّ المفاجآت بطبعي، وهذا طبعي، وطبعي لي، وهو من فضل ربّي، مبدئياً، ولا أعرف الجنّة سابقاً، فقد يكون من الصعب فيها التدخّل أو الاعتراض على القضاء، أو مساءلة الأدلّة الجنائية أو حتّى الدرك.

أعطوني فكرة كيف ستكون بيروت بحسب تلفزيون «المستقبل»، مدينة عريقة للمستقبل؟

فوضعها الحالي، كما هو وضع البنك المركزي، لا يوحيان ثقةً مفتوحة لامتناهية.

سيأتي وقت حكماً، وهو قبل الآخرة، سيضطّر فيه لبنان ورياض سلامة، أطال الله بعمرهما، للبدء بسداد الديون... ولّا لأ!؟

أخيراً، قولوا لهذه المرأة العظيمة التي تقود سيارتها وحدها، ليل نهار، وتهتمّ يوماً بعد يوم، أكثر فأكثر، بصحّتها وبنضارتها، وهي أينما حلّت تروي وتصرّح أنّ لديها تجاهي شعوراً خاصاً جداً، وأني بالنسبة إليها، غير كل الناس والأصدقاء والأقربين.

قولوا لها إن عادت وكلّمتكم بذلك، أن تحدّد ما هو هذا الشعور.

أرجوكم قولوا لها: أرجوها. فالوقت يمرّ بسرعة كما دائماً، وهو في لبنان دون قيمة.

قولوا لها إنّني لست أكيداً أننا سنلتقي في الجنّة، فأنا مؤمن متدرّج جديد، وما زلت عرضةً للشكّ وللشيطان الرجيم، لعنة الله عليه.

وأعرف أن الجنّة، وإن كانت موجودة، فسأكون أنا فيها بلا شك، لكنّها هي لن تكون بالتأكيد.

لذا فلتكلّمني في أقرب فرصة إن كان لديها فعلاً تجاهي شيء بهذه الأهمية، وشكراً.

28‏/03‏/2007

أعوذ بالله...


زياد الرحباني
الأخبار الاربعاء ٢٨ آذار ٢٠٠٧
إن التحالف بين تيّار المستقبل (سنّي) والقوّات اللبنانية (ماروني) أسفر، بطبيعة الحال، عن شراكة كاملة نابعة من دمجٍ لعقيدتين:
1ـــــ لا إله إلا الله
2ـــــ الله الوطن العائلة فأصبح شعار الحلف: لا إله إلا الله والوطن والعائلة.
هنا، وجب الاستنتاج، وكذلك أخذ العلم والخبر، أن هذا الحلف لا مستقبل له ولا حول ولا قوّات.
فالشعار الجديد غير مقبول قوّاتياً.
«لا إله إلا الله» لا تُقبل مارونياً سوى في إطار محدود هو: نبذ الطائفية والمسلمين.
كما أنه غير مقبول سنّياً، فـ«لا إله إلا الله» لا يضاف إليها حرف واحد ولو كان هذا الحرف جزءاً من كلمَتَي: الوطن وحتى العائلة، حتى لو كان الملائكة أنفسهم.لذا فإن هذا الحلف، أعزّائي، «يُفشَل».

26‏/03‏/2007

ملاحظة





زياد الرحباني

الأخبار الاثنين ٢٦ آذار ٢٠٠٧

اليوم، وبعد انقضاء ما يزيد على نصف قرن على وفاة الرفيق الأعلى جوزيف ستالين والفوهرر أدولف هتلر، أصبح حل أي معضلة يبدأ بتجزئتها.
ومن ثم التركيز أولاً على الجزء الأسهل في حين يهمل الباقي فترات من الزمن، فيتفاعل وينتج مشاكل جزئية جديدة.
أو قد يتم التركيز على جزء من المعضلة على أنه الكل، فيبقى ما اعتبر ثانوياً، نقطة ساخنة دائمة، قد يستعملها نافذ سياسي لمصلحته ضد خصمه أو يستعملها الاثنان على التوالي، المهم أن كلمة “مجلس الأمن” ترد مراراً في مثل هذه المتاهات التاريخية، وهي هنا ودوماً أغلب الظن مؤسفة، وحيثما وردت أي منذ نشأت. إن فيها شيئاً من الزن على آلة الربابة لحظة بلوغ إعصار كاترينا الشاطئ الأول.

إننا نعيش، منذ ضمور الحرب الباردة الأخيرة، حالة من الديموقراطية.
للأسف، فهي ديموقراطية للشعوب متزامنة مع تصويت إفرادي على القرار، ويمكن حتى الاستغناء عنه إذا أمعن الرؤساء في استعمال صلاحياتهم الخاصة.
***
كلما عاد الأميركيون إلى محور لبنان ـــ فلسطين ـــ سوريا بغية تحقيق نقطة ما، يعودون الى التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فتسمع حينها يا مخايل، بالإرهاب أو بالمحكمة الدولية.

أما بالديموقراطية فبشكل متواصل...

هل رأيت عيسى اليوم؟

22‏/03‏/2007

الشغب ـ ملحق


زياد الرحباني
الأخبار الخميس 22 آذار 2007
كيف تريد ألّا تكون طبيعة قيادة السيارات أيضاً، على هذه الشاكلة في لبنان؟
كيف تريد أن يكون مجموع اجتهادات قانون السير مختلفاً عن الحالي المدهش؟
لمَ النقّ الدائم يا مخايل؟ ما دمت تشهد يومياً على تفاصيل تكاد تصبح عادية مثل أن يردّ النائب وائل أبو فاعور معلّقاً ومصححاً، على الرئيس نبيه برّي؟ أين الباب وأين الطاقة؟ هل هذه هي الديموقراطية؟ أم هي التقدمية الاشتراكية؟ لا أظنّ، إنّه قانون الغاب، مقلوباً. إنها سنّة الحياة الحيوانية، لكن في خيال الصور المتحركة. كأن يقضي سنجابٌ وحيدٌ على وحيدٍ للقرن لشدّة دهائه ونضاله الديموقراطي.
كيف تريد أن يكون شكل الصفّ في لبنان أمام محطةٍ للوقود، مستقيماً هادئاً؟
أو أن يتكلّم الناس بالدور عندما يتحادثون فينتبهون الى أنّ الانسان يجب أن يستمع، عندما يتكلّم الآخر؟
والنائبة المقدام نائلة معوّض تقول، قُبيل النصر العظيم بداية شهر آب الماضي، إنها «ربما تقبل بأن يحتفظ حزب الله بسلاحه الى أن يبدأ الحوار الحاسم حول نزعه»؟ وطبعاً: «أن يكون السلاح محصوراً بالجيش اللبناني».
هذا الجيش، سيداتي سادتي، الذي يأتمر عموماً بالميجر معوّض، أينما حلّت: في الحكومة، في المنزل، في الشمال أو عند الحلّاق قبل بكركي. وفي حال انشغالها المذهل، خارج البلاد، لاجتماعها و«إيّاهم» بشيراك أو بفارس سعيد، لكن في باريس، تكون الإمرة العسكرية لكريمها: القائد الحالي، ميشال وليس سليمان بل معوّض.
وهذا طبيعي، فقيادة القوى المسلحة العامة تعود في النهاية لرئاسة الجمهورية.
كيف تريد أن تقنع المواطنين بأن يلتزموا الهدوء، ولو مرّة في حياتهم، كرمى لعيني الله سبحانه، أو أن يخفّفوا الشطارة والكذب ليوم في الشهر، مخافة ربّهم، أو أن يوحّدوا الله يا أخي، كما يدّعون؟ وروجيه إدّه يعود ويصرّح، والنائب المخفي محمد الحجّار، كلّما حبل وليد بك، يُطَرّح؟
كيف تضبط اليافعين عن تقليد المراهقين؟ وعن الإحراق المتواصل لبطاقات الهاتف الخلوي المدفوعة سلفاً، ورئيس حكومتنا الأستاذ فؤاد السنيورة، هذا التكنوقراط اللامع، هذا الوزير السابق العصامي الدؤوب، العلمي الأوروبي في كثير من الأحيان، عاد وذُهل برئاسة الحكومة؟ بل عاد وتُيّم بالسرايا؟ إنهما يخرجان معاً، يسافران معاً أو يعتصمان.
إنّ كل ما سبق، يزيد من نشاط المشاغبين، يُخضعهم للعرض والطلب.
إنها ظروفهم المثالية للإبداع. فكيف تهدّئ مَلِكهم؟ مَلِك الشغب بالصنوبر.
إنه سعيدٌ عادةً يا للأسف ويا للاعوجاج بهذه الألقاب، وربما بهذه المقالة، فما العمل؟ كيف لا يا مخايل؟ وهو يُسَرّ عندما يُمتدح دهاؤه المؤذي دون شكّ؟
عندما يشهّر الصحافي البليغ «سايمور هيرش» باحتياله النادر حتى الاتهام؟
إنه يزهو على الأرجح، لمجرّد أن يذكره الصحافي المتخصّص «روبرت فيسك»، قبل يومين، فيخصّصه بـ«التسلّط الأكثر براعة وعدمية»!
ماذا تريد؟ هذا معيار النجاح عند المشاهد.
هذه، عادةً، كاريسما الأَوَنطا اليومية عموماً (وخاصة لدى جمهور النساء، ولماذا؟ الله العليم بذلك وبالنساء أنفسهنّ)، فكيف بالأَوَنطا السياسية لسوء الطالع؟ والنازل أيضاً من وإلى البريستول في المختارة.
إنّ الشغب يا أعزّائي، مغرٍ بلا شكّ.
فكلّنا مارسناه في الصغر وتباهينا به بعضنا بين بعض، بل حاولنا في المناسبة وبواسطته، كسب ودّ الطالبات وجمعهنّ المؤنّث السالم منّا ومن ثقل دمّنا.
وأذكر أنّ الأَوَنطا كانت صفةً إضافية عليه ليست إلزامية ولا مكمّلة.
كان الشغب يلخّص بطولاتنا والأمجاد.
أمّا الشغب اليوم، في الكِبَر، في مواقع المسؤولية والقيادة والقرار، شغبٌ على مستوى بلدٍ ملتهبٍ على الخريطة منذ الـ1975، وفضلاً عن أنه فوق تصوّر العقل لمجرّد استمراره، فيجب أن يَفشل، ونحن هنا حتى... «يُفشل».
الإمضاء: شهيدٌ حيّ منذ ما بعد 7 آذار 1988 ـــ الساعة التاسعة والثلث صباحاً ـــ السيارة مفخخة وموقوتة. إنّ للأوَنطا حدوداً، أما للبحث والـ«تحرّي»، فَصِلَة.

21‏/03‏/2007

الشغب

زياد الرحباني
الأخبار الاربعاء ٢١ آذار٢٠٠٧
كل مرة أصمّم فيها على كتابة موضوع ما، أفكّر فيه منذ فترة، كلّ مرة أنوي البدء بمقالةٍ أولى ضمن سلسلة مخطّط لها، مترابطة، أو أن أعلن جواباً لشكل من الحزّورة طرحتها على القرّاء، منذ أكثر من شهرين، في كل مرّة، كل مرّة نعم، يأتي «الشغب»!!
إنه شغبٌ على وضع في آخر وأحدث ما وصل إليه، أو بالأحرى الشغب على ما «تيسّر» للفرقاء المتخاصمين من مسارب مشتركة لحل ما، صيغة ما تشبه ما يسمّى في الزجل العام: الوطن.
وأسوأ ما في هذه الجمهورية و«المازة» و«يلدزلار»: الوسط.
إنه كذبة للتلاقي، إنه فتوى ليعود كلٌّ إلى دياره وينام ليلة، أو الليلة على الأصحّ، كنت أريد أن أكتب مقالة عنوانها: 665 - 22625.
أو البدء بسلسلة عن الرئيس بوتين، أو نشر قصة صغيرة عن الروم والموارنة.
فأتى «الشغب» وتعكّر الحوار بين الشيخ سعد والرئيس بري، وتزعزعت المبادرة السعودية وطارت تلك المقالات و«طاح» عيد الأمهات.
والأنكى أنني لم أكن في وارد الاستنفار المفاجئ واللازم لرصد جميع مصادر الأخبار لمحاولة فهم ما تريده جماعة «نواب الأكثرية السعيدة»، لتعود فيعودوا إلى الظهور، أو لما يفعلونه بالضبط في مبنى مجلس النواب.
فهم في الأساس، ومنذ البداية، دخلوه بشكل عجيب وغريب، كما لا أظنهم اعتادوه حتى اللحظة. لذا تجدهم مدهوشين سعداء.
لكن، ما إن انتصف النهار، وظهر الرئيس بري في مؤتمر صحافي «مدكوك»، حتى اطمأننْتُ جزئياً إلى باقي برنامج اليوم، وعدتُ والتحقتُ بالتمرين المقرّر بعد الظهر، مع الفرقة الموسيقية التي أعزف وإياها، كل مساء ثلاثاء، في ملهى في منطقة السوديكو ــــــ طريق الشام.إن فعل الشغب ملازمٌ عموماً للمراهقة، أو ما دونها من عمر ومن نضج فاضحٍ كله حَبٌ وشباب.
إن الشغب في أحسن أحواله، قد يكون سمةً لأعمال جماعية ترتكبها فئات بشرية، عن عجز أو نقصٍ حاد في التنسيق والتنظيم، عن تقصيرٍ في تجميع ما يكفي من الناس لحسم قضايا كبيرة عالقة.
فيأتي الشغب ومنه: أحداث الشغب.
إنها تردُ عموماً دون أل التعريف حتى، أي: أحداث شغب، فأل التعريف كبيرة على الشغب وحده، رغم حجمه ورغم أضراره المحتملة.
لكنه دوماً صبيانيٌ عابرٌ ومن دون أساس.
ذكّرني ظهور الرئيس بري أمس بعودة الناظر إلى الصف، بعد ما بلغه أن الفوضى العارمة تعمّ المكان.
والتلامذة على الطاولات، وأكرم وعطا الله معهم، وبعضهم يكتب بالطبشور على اللوح عبارات نابية مثل: نحن من ينتخب رئيساً للجمهورية، أو محكمة دولية ضد سوريا، أو برّي ــــــ سوري ــــــ إيراني!!
ما أكبر الفرق بين المجابهة والشغب، بين المواجهة والشغب. ما أوسعه بين المقاومة والشغب.
ما أجمل الثوار وما أكثر المشاغبين... هذا الشغب، «يُفْشَلْ».

19‏/03‏/2007

... التوضيح للإرسال


زياد الرحباني
الأخبار الاثنين ١٩ آذار٢٠٠٧
إثر مقالٍ على جزءين، الأسبوع المنصرم، تحت عنوان: «الأصل، الجرأة»، تمّ فيه التركيز على بعض ممّا تتفضّل علينا به محطة «ال.بي.سي» ليليّاً ومنذ ولادتها، وُجّهت إليّ بعض التعليقات من مقرّبين مفادها أن المقال جيّد لكنه شديد اللهجة، غريب التوقيت، وقَويّ.
وكلمة قَويّ، هنا، بمعنى العيار.
الأرجح أن تلك العبارات والمعايير، هي صحافية بامتياز.
لذا، في البداية، أودّ الاعتراف، للقرّاء،
ولكلّ «الداخلين» إلى موقع جريدة «الأخبار» على الانترنت، ليسجّلوا، إلى جانب شتائمهم أحياناً، المرحّب بها، ملاحظةً متكرّرة: «ومنذ متى أصبح الرحباني صحافياً؟».
لهم، أودّ أن أعترف بأنهم على حق مئة في المئة.
لستُ صحافياً على الإطلاق، كما أنني وضّحتُ للصحافة، في الصحافة، سابقاً: لستُ مسرحياً كذلك.
لذا يمكن اعتباري، بكل راحة ضمير، «متعدّياً» على المهنتين.
أنا، لمزيد من الحصر والتحديد: مواطنٌ شيوعيٌ يعمل في الموسيقى.
وكل ما بدر مني على مسرح أو إذاعة أو في صحيفة، كان وسيكون من باب التعبير السياسي عن الانتماء.
فلا معنى لهذا الاستغراب في بلد يعيش الحرب منذ كنتُ في الثامنة عشرة، كما أني لن أكُفَّ عن التعدّي على المهن من حين إلى آخر في بلد يمكن أن يكون فيه السيّد أحمد فتفت وزيراً للداخلية في حالة حرب شاملة ودفاع عن قضاء مرجعيون أو يُسمعُ فيه أن السيّد غطاس خوري مرشحٌ لرئاسة الجمهورية، يا ولدي، أو أن الرفيق كارلوس إدّه زعيمٌ باريسيٌ لثورة الأرز يترجم له السفير الروسي في لبنان إلى العربية.
إن ما قيل في المقال المذكور، ليس عن محطة «ال.بي.سي» التلفزيونية حصراً.
أي إنه ليس تقييماً لتلفزيون لبناني ببرامجه وعامليه. إنه نقدٌ للوجه، بل لواجهة القوات اللبنانية الإعلامية الأولى بامتياز.
إنها، في اللغة الإعلامية، سلاح الـ«ميديا» للإرسال القواتي، لا المسيحي عموماً.
إنه الرسالة والمضمون، إنه «الخطاب» من الكرنتينا سابقاً، إلى المدفون آنفاً، مروراً بأدما حالياً.
وهل ما قيل، من هذا المنطلق، قويّ العيار؟
إن كان كذلك، فلا خوف، فمحطة «ال.بي.سي» أقوى. وهي منتشرة في كل أرجاء المعمورة.
وأكثر من عشرين في المئة من بثّها (هوائها) مخصّص لدعايتها عن نفسها. فكيف لنا أن ننافسها أو نضاهيها بمقال يوميّ؟
ونحن تناولناها، بالضبط، لهذه الأسباب.
فالبلد في معركة بين فريقين انقسم السواد الأكبر من المواطنين بينهما، والقوات موجودة إلى جانب أحدهما، ولها حلفاؤها، بالطبع، لذا أحببتُ أن أُذكّر هؤلاء، قبل المواطنين الآخرين، وخاصة غير البالغين منهم، مَنْ هم دون الـ21، فعلياً أو عملياً، بتاريخ هذه المحطة التي شكلها الطاغي الدائم: انهيارٌ جبليٌّ من الترفيه أو انفجارٌ كيميائيٌّ من التسلية والتشويق.
وقد يتطعّم مع النعاس، بالدسّ العنصريّ الفينيقيّ الناعم بنعومة مقدّميه ومقدّماته.
من هنا أيضاً، لا داعي لمحاسبتها على الموضوعية.
ففي الحرب لا أحد موضوعياً إلا نوادي «الليونز» و«الروتاري» و«ألومناي كلوب» أو ماسونيّو رأس بيروت الموحّدة.
أما القوات فهم، بعكسهم، غير موضوعيين لكونهم واضحي الوجهة والهدف، لكون قائدهم واضحاً، لكون مشروعهم أوضح، والواضح، عموماً، أفضل من التقدمي الفاعوري.
وإن كانت «ال.بي.سي» يوماً موضوعية، ففي حال واحدة: ألا وهي تقصيرها الإعلامي المستمرّ والملحوظ في تغطية انتمائها القواتي ــــــ الأساس. كل تغطية لطرف آخر في البلاد، فيها إمعان في الموضوعية، لا بل في «الليبرالية المتوحّشة».
ألم تروها تغطّي أخبار المناطق السنّية المحرومة في طرابلس؟
واكتئاب النائب الوسيم مصباح الأحدب لذلك؟ ألم تروها تغطّي الجنوب الشيعي المنكوب؟ (بحزب الله، طبعاً) أو حتى بأخبار العراق الشقيق التي كثيراً ما تؤخّر برامج «الهزّ والحظّ والإعلام المكتظّ»؟ إنها موضوعية فوق العادة، في نظر السيدة دولّلي غانم أو المبدع وليد عبود اللذين يضطرّان في كثير من الصباحات لمحاورة العونيين، وذلك بالنيابة عن السيدة مي شدياق التي منعها أطباؤها الفرنسيون من ذلك لمدة غير محدّدة.
في النهاية، هم أخصام لنا في السياسة والوطن، وهذا حقّهم.
وهم واضحون، لذا لا تحرجوهم. ونحن ما زلنا نشاهدهم عند اللزوم، رغم ما كتبنا في المقال السابق، لنعرف أين أصبحوا، فهم الضدّ وككل ضدٍّ يحملُ معه الضدّ، فالردّ إذاً عليهم يكون في أفكارهم، بل من صنعهم أحياناً.
أخيراً، ذكرنا في الجزء الثاني من المقال، أن «... مَنْ لم يقتنع بموضوعيتهم من العاملين في المحطة... يَكُنْ منفرداً في زاويةٍ «ذاتياً»،
والغالب أن الباقين لاحظوه و«أتْركوه» «المحطة الموضوعية للإرسال»).
هنا لم نكن نؤلّف نصوصاً خياليّة أو تهكّميّة. كنّا نتناول شخصاً فعلياً مركزياً أدار هذه المؤسسة منذ البداية.
وقد فتح، برأيي، في جدارها ــــــ الأساس، ثقباً كبيراً باتّجاه الآخرين، في لبنان أولاً، ثمّ في العالم العربي.
والثقب كان سياسياً.
يُلقّب هذا الشخص بـ«الشيخ» حتى ما قبل «انفتاح المحطة عربياً».
وقد شكّل في لحظة أملاً لهذه المحطة القواتية.وكما يجب الإنصات يومياً إلى الخصوم، وجبت محاورة الأذكياء منهم، لا بل إن هؤلاء هم تحديداً مَن يمكن التحالف معهم في فترات من التاريخ المكرّر المعلوك بشكل متواصل حتى الرابع عشر من آذار.
وشكراً.

15‏/03‏/2007

الأصل، الجرأة! (تابع)

زياد الرحباني
الأخبار، عدد الخميس ١٥آذار 2007
نحن بالفعل لا نظلم محطة الـ“L.B.C”، بل على العكس، فهي “البادي”. إنها أول تلفزيون خاص يبدأ البث، إنها أول تلفزيون يبدأ الدسّ، فهي الأظلم وهي الأقدم.
وقد بكّرت بظلمها للملل الأخرى، المنهمكة وقتها بإعداد العدة للبث المضاد، فالبث بالبث والسن بالسن.دعك من الموضوعية يا مخايل.
ربما كان الغرب يضع المسيحيين اللبنانيين في رزمة واحدة ولا عجب، فهو يفعل الشيء نفسه مع المسلمين، يفعله أجل، لتبسيط التعاطي كما الفهم لـ“المعجزة الأهلية اللبنانية”.
أما نحن وأنت والمشاهدون يا ولدي، فنعرف أن للمحطة الترفيهية المذكورة تاريخاً سياسياً معيناً جداً، وهو “قواتي” باسم المجتمع المسيحي، ونقطة تضعها أينما رأيت السطر!.
ضع النقطة و“افتح يا سمسم”، إننا لم نكتشف شيئاً، إننا “اكتشفنا البارود” و“باب الحظ” وهلّت علينا “نجوم السبت” والظهر، ولم تشفع كلها لتلطيف توجّه المحطة ــــ الأساس. لن تستطيع، لا مهرجانات “الفونيكس الذهبي” ولا تغطية معارض السيارات في دبي، بمذيعات و“مقدّمي اللبنانيات للإرسال”، أن تموّه فينيقية الجوهر.
لا بل إن المحطة فخورة بموقعها، وتجاهر بصدقيّتها العالية وكمال الموضوعية.
إنها محطة “لمن يجرؤ فقط” علناً و“بكل جرأة”. إنها تعمي “حيث لا يجرؤ الآخرون”.
إنهم جريئون، داسوا على الذاتية فداءً للمجتمع المسيحي وبعض من إخوانه المسلمين، وأصبحت الموضوعية لهم.
إنهم يفسّرون ويدرِّسون كل ليلة “موضوعيّتهم” لكل من هو فوق الثامنة عشرة.
إنها: المؤسسة الموضوعية للراشدين!.
وأية موضوعية!؟ لم يسمع أحد بها أو يشاهدها سوى العاملين في المؤسسة وخاصة المزمنين المعمّرين منهم.
ومن لم يقتنع منهم بها، ولاحظ ذلك، يكُنْ منفرداً في زاوية، “ذاتياً”، والغالب أن الباقين لاحظوه وأتركوه “المحطة الموضوعية للإرسال”، بالتي هي أحسن وصادف أنها الأحسن وهي، بناءً عليه، ستحسم أمره الذاتي بمنتهى الموضوعية.
والبث شغال، يا ليل يا عين يا معين يا ويلاه!.
أعجب ما في هذه المحطة، أنّ لها وجهاً عربياً.
إنها الوجه السافر للمحجوب الذي تحظره المملكة السعودية في الداخل، لتباركه بل تموّله في العالم العربي بأسره،
وذلك من لبنان بإدارة مسيحيين موارنة “غير مكرهين” فكما أنه لا إكراه في الدين، لا إكراه في العهر أيضاً.

14‏/03‏/2007

الأصل، الجرأة!

زياد الرحباني
الأخبار، عدد الاربعاء 14 آذار 2007
رغم نجاحها المشهود له وانتشارها في فترة قياسية، لم يكن لدينا غيرها، سوى تلفزيون الدولة اللبنانية، وقد تناتشته «الجمهوريات اللبنانية للتعايش» تباعاً وتدريجاً، ورغم خرقها في حينه كل المبادئ والمسلّمات والممنوعات التي رست عليها تاريخياً دولتنا، وبتراضي الجميع في سياستها الإعلامية المسماة ــ متوازنة ولغتها المدورة «المتعايشة» مع المواطنين المتعايشين بدورهم معاً ومع ألعوبة التعايش المتلفز والمعيوش وذلك نزولاً عند طلب دولتهم للتعايش منهم بأن يتعايشوا كي نستطيع أن نتعايش مستقبلاً وربما حاضراً، وبالرغم من القرصنة الرسمية العامة على المحلي والعالمي التي بدأت بها بثها بحجة «أنها» وربما انها أيضاً في حالة حرب.
فالاستيلاء الممكن على أرشيف «تلفزيون لبنان» ضرورة لإنقاذ الوطن الموحد والمسيحي من الفلسطينيين الغرباء وأحزاب المسلمين واليسار الغرباء أيضاً وكل الغرباء.
فكل من ليس مسيحياً صراحة غريب.
هذا إن لم يكن بخطورة أنه: غريب وسوري مثلاً.
هنا الخوف وهنا يبيت الشيطان الذي حتى وهو يحمي المسيحيين تاريخياً (هذا تمويه وخطة جهنمية) لا يؤمَن جانبه، فهو غريب وسوري، تصوّر، وله أطماع بحمايتهم وبحماية الوحدة اللبنانية على أساس أن مناله البعيد هو إبادتهم واحتلال بلد موحد متماسك.
ذلك بعكس جميع أشكال الاستعمار والانتداب المعروفة في تاريخ البشرية، التي من الطبيعي أن تفضل البلاد المجزأة المقسمة على مبدأ فرق تسد.إن هذا الغريب والسوري مختلف تماماً.
فهو مؤمن مثلاً بـ: وحّد تسُد. فهو يفضّل أن يحتل بلداً ذا سيادة واستقرار.
كي يهينه ويذله.
يفضل أن يحتل شعباً مقسماً مفتتاً كي يوحّده ويعاود احتلاله دون متاعب.
غريب هذا الغريب والسوري.
إن جل ما يعرفه عالم الإعلام العربي والعالمي عن محطة الـ«l.b.c» وبالمختصر الموضوعي والمفيد هو أنها محطة للمسيحيين.
مهما حاولت الرقاصات المدعمات بـ«المليون» وبـ«الوادي» وبـ«الأكاديمي» و«ملكة جمال الشبان» أو «ملكهم» وبـ«نهر الفنون» و«كأس النجوم».
إن صليباً متدلّياً على صدر مذيعة ـ أستغفر الله العظيم ـ مع بداية نشرة الأخبار يدل على أن المحطة ليست للموضوعيين... والبادي أظلم!
(يتبع غداً)

12‏/03‏/2007

هذه التدابير...

زياد الرحباني
الأخبار، عدد الاثنين 12 آذار 20

إن حجم التدابير الأمنيّة حول مواقع سكن قادة 14 آذار، على توسّع. كنّا نلاحظ في البداية، وهذه للمراقبين أو من هم بهذه الصفة دون علم وخبر بالضرورة، لا للداخلية ولا لمجلس الأمن المركزي أو أمن الدولة ـ أن تلك التدابير تُعَزّز إجمالاً على أثر تصريح حاد، عقب موقف متقدم، كما يسمّى بينهم، مبتهجين.
أما اليوم، فقد لاحظ المراقبون أن تيك التدابير راحت تتنوّع وتتوسّع على مساحات أكبر، فتغمر عدداً أكبر من المواطنين المجاورين لهم، بلطفها وبالحرص على رؤوسهم رغم الأنوف، (إنهم يجزّئون الوجوه أيضاً) وذلك حتّى بدون تسجيل أي تصريح أو موقف سابق.
إن قرار رفع مستوى الأسلاك والمكعّبات والدشم أصبح نذيراً بتصريح آتٍ ربما، لرؤيا موعودة بين بزمار والأرز لاحقاً.
أصبح بعضهم، وهو أبلغهُمْ، أشدقهُمْ، أشلبهُمْ و«أضربهُمْ»، يزنّر ويسكِّر، يُسيّج ويُعرّج، يُفكّك ويُسمّك، لمجرد فكرة راودته ولم يصرّح بها بعد ولا حتى فكّر!
لقد اعتمدوا الاستباقية الأميركية الجديدة منذ ما بعد 11 أيلول و14 آذار.
وهل بوش وفريقه أعزّ منهم؟في المحصّلة، إنهم يعانون بلا شك، بل ويتألمون. فبعضهم يضطرّ، في معظم الأحيان وبعد كل هذه التدابير الأمنية، لأن يترك منزله بكل تحصيناته ويسافر لفترة، وجمعها فترات.
أليست تلك سخرية القدر، وتحديداً القدر الوطنيّ الأبيّ الحرّ؟
أعجب أحياناً لقادة مثلهم، متبصّرين، متنوّرين، وقّادي الذكاء، ثاقبي الرؤية، كيف لا يفكّرون بالحل السهل جداً وهم يعرفونه.
الحل الذي يكمن في وقف هذه التصريحات والامتناع عن هذه المواقف، ولنتيجة أكثر فعالية وديمومة: اعتزال السياسة.
هذا ما كان يقول به دوماً الرفيق الأعلى وليد بك جنبلاط. فمنذ سنين وهو يهدّد بذلك، فماذا ينتظر؟
لست أدري.

***
ـ واللَّهِ، لا بأس.
ـ وماذا تفعل؟
ـ إنّي أشجّع المواطنين على الاكتئاب في سندات الخزينة!
ـ وهل تجاوبوا؟
ـ كلا!
ـ لماذا برأيك؟
ـ لأنهم مكتئبون.
ـ مضى وقت طويل على آخر لقاء بيننا، طمّنّي ما آخر أخبارك؟

07‏/03‏/2007

الياس نخلة

زياد الرحباني
جريدة الأخبار - الاربعاء ٧ آذار 2007
كان رجلاً في متوسّط العمر، يساعد الأخوين رحباني في مكتبهما في حرج الكفوري ـ منطقة بدارو.
وكان قد اختار في الردهة الوسيعة من الطابق، كرسياً جانبياً، ليصبح مقعده اليومي للانتظار. كان الياس نخلة ينتظر أبي وعمي أياماً، شهرياً، دون تعب، وهُمَا، كلٌ في مكتبه في الداخل.
ينتظرهما دون هوادة، ببرودة لا بلادة. يعاملهما كزعيمين عربيين وربما عالميين، لا لبنانيين حصراً على الإطلاق. وفيٌّ، متأهّبٌ للخدمة. وبالانتظار، كان الياس نخلة يطالع الكثير من الصحف الموجودة في المكان.
كان ينتهي من واحدةٍ، يفرك وجهه بيديه كأنه استفاق للتوّ من سباتٍ عميقٍ عجّ بالغرائب. يشعل سيجارة ويدخّن بإمعان ليتحضّر للصحيفة التالية. في هذه اللحظات فقط، كان يمكن أن أسأله عن رأيه بزعيمٍ معيّنٍ، وكانوا معدودين حينها، أو حتى عن رأيه بشخصٍ دخل المكتب على موعد، وقد عاد الياس نخلة إلى مقعده بعد أن فتح له الباب.
فكان، إمّا يحبّه فيهزّ برأسه نزولاً وبتكرار، رافعاً الحاجبين للإعجاب، أو، طبعاً، لا يعجبه، فيقول، والكلمة له حصراً، أي إنها من اختراعه، بعد خبرة كل هذا القعود، فيقولها بفخرٍ وثبات: «يُفْشَلْ»!ليست «يَفْشَلْ» بالفَتْحَة ولا فَاشِلْ ولا فَشَلْ ولا من يفشَلُون، إنها «يُفْشَلْ»!!
لماذا هذه الضمة فوق الياء؟
الله وحده هو العليم.
إن مشروع قوى 14 آذار القويّ جداً، يا إخواني، «يُفْشَلْ»!!! أما مشاريعهم فـ: «تُفْشَلْ» وبضمّ التاء.
وأنا أزيد على الياس نخلة فأوضِح أن الضمّة ليست هنا للمجهول في الإعراب ولا لأيّ فاعل مجهول، لا في المعارضة ولا في سوريا ولا أخواتها، إنّها: «يُفْشَلْ»، وليست «يُفَشّلْ».
كأنه القَدَرْ وقد حَكَمْ، كأنه الخالق عزّ وجلّ قال قوله في المشروع.
ـ أنا : وما رأيك بالقائد جعجع يا الياس؟
ـ الياس : «يُفْشَلْ»، «يُفْشَلْ»، «يُفْشَلْ»!!!
ـ أنا : ورأيك بـ«الماردة» نائلة معوّض؟
ـ الياس : «تُفْشَلْ»!
ـ أنا : طيّب، ووليد بك؟ـ
الياس : (يتنهّد طويلاً).
ـ أنا : قل لي...
ـ الياس : «يُفْشَلُ» اللسانُ عن التعبير، والتأثير، و«يُفْشَلُ» التغيير.
فعلاً أعزائي ما أبلغ الياس نخلة في هذه العبارة، إنه «بَيْكٌ» لا «تُفْشَلُ» عُقبَاه .

05‏/03‏/2007

أريد القلم نفسه

زياد الرحباني
جريدة الأخبار- الاثنين ٥ آذار 2007
اخترع البشر على مرّ العصور الكثير من الجُمَل والأقوال لم يكن لهم خيار غيرها، مقوّية، تساعد في مواجهة وقع الموت، إذ لا حول أمامه ولا قوة إلاّ... ويأتي الباقي حتى... وإنّا إليه لراجعون.
وليس لدينا بالفعل أبسط وأبلغ من هذه العبارات حتى الآن.
فماذا تريد إذاً منّي بعد يا مخايل؟
الخسارة؟ لقد اعترفتُ لك بالخسارة وبحجمها، اعترفتُ وبصوت عالٍ وفي صحيفة وعلى إذاعة وإلا فلمَ كل هذا الحديث الآن؟
إنّه جزء من الأقوال الآنف ذكرها التي تقوّي في مواجهة الخسارة.
لكن الخسارة حتى، شيء موجود يا عزيزي. الخسارة، مثل كلّ شيء على هذا الكوكب، وبحسب ماركس، يأتي ويحمل في طيّاته نقيضه، نقيضه الذي سيقضي عليه، فالخسارة هنا تحمل بذور الانتصار القادم بل هي الدافع المحرّك له، الانتصار الذي يحمل حكماً نقيضه معه، وخاصة إن أتى مجرّداً من العمل، والعمل فقط، مجرّداً من المحافظة كل لحظة عليه، بالنقل اليومي لتعليمات استمراره، من البشر الى الورق ومن الورق الى بشرٍ آخرين، من ذاكرة هذا الرأس الذي فوق الكتفين الى وسائل إعادة البث أو الإذاعة لما سبق، للماضي، للغائب وللراحل.
لن يصمد انتصار إن جاء هبةً او حلّ فجأةً.
إنّ الانتصار جزء من الخسارة التي هي جزء من الانتصار.
لم يعرف التاريخ انتصاراً واحداً مقطوعاً من شجرة إلاّ شجرة «ثورة الأرز»، ثورة الـ24 ساعة، الصاعقة «الكذّابية»، كصنفٍ من أصناف اللوبياء، كنوعٍ من الذبحات القلبية، الكذّابية أيضاً التي لا وظيفة لها سوى ترويع الأهل والأقارب والجيران حتى يثبت أن المصاب بها واهم وهي كذّابية.
على كلٍّ، دعنا من الحديث عن ثورات كهذه، عن فورات كهذه، فكلّ الناس صار فيهم خيرٌ وبركة في يومٍ كهذا، يوم جنازة الرفيق سماحة أمس.
هل تعرف؟
لقد لاحظت في صورته التي اعتُمدت منذ توفّي، رأس قلمٍ يطلّ من جيب قميصه الأبيض، أزرق هو أم أسود؟
لم أستطع أن أحسم الأمر، قلمٌ كان يجب أن نسحبه منه في جميع الأحوال.
لا أدري إن كان أخذه معه الى العاصمة البريطانية، ربما ما زال في مكتبه في الجريدة، أو هو في البيت.
على كلٍّ، أصبحت صورته هذه هي وحدها ما سيدلّنا على هذا القلم.
إنّه جميلٌ، هادئٌ في الصورة، تماماً كصاحبه، لكنّه هو هو القلم المرّ الحارق والكاوي.
ليس هذا القلم نادراً وهو موجود في معظم المكتبات وربما في الـ Monoprix حتى وبكميّات، لكنّه ليس القلم الذي مرمر وحرق وكوى.
أريد القلم نفسه.