05‏/03‏/2007

أريد القلم نفسه

زياد الرحباني
جريدة الأخبار- الاثنين ٥ آذار 2007
اخترع البشر على مرّ العصور الكثير من الجُمَل والأقوال لم يكن لهم خيار غيرها، مقوّية، تساعد في مواجهة وقع الموت، إذ لا حول أمامه ولا قوة إلاّ... ويأتي الباقي حتى... وإنّا إليه لراجعون.
وليس لدينا بالفعل أبسط وأبلغ من هذه العبارات حتى الآن.
فماذا تريد إذاً منّي بعد يا مخايل؟
الخسارة؟ لقد اعترفتُ لك بالخسارة وبحجمها، اعترفتُ وبصوت عالٍ وفي صحيفة وعلى إذاعة وإلا فلمَ كل هذا الحديث الآن؟
إنّه جزء من الأقوال الآنف ذكرها التي تقوّي في مواجهة الخسارة.
لكن الخسارة حتى، شيء موجود يا عزيزي. الخسارة، مثل كلّ شيء على هذا الكوكب، وبحسب ماركس، يأتي ويحمل في طيّاته نقيضه، نقيضه الذي سيقضي عليه، فالخسارة هنا تحمل بذور الانتصار القادم بل هي الدافع المحرّك له، الانتصار الذي يحمل حكماً نقيضه معه، وخاصة إن أتى مجرّداً من العمل، والعمل فقط، مجرّداً من المحافظة كل لحظة عليه، بالنقل اليومي لتعليمات استمراره، من البشر الى الورق ومن الورق الى بشرٍ آخرين، من ذاكرة هذا الرأس الذي فوق الكتفين الى وسائل إعادة البث أو الإذاعة لما سبق، للماضي، للغائب وللراحل.
لن يصمد انتصار إن جاء هبةً او حلّ فجأةً.
إنّ الانتصار جزء من الخسارة التي هي جزء من الانتصار.
لم يعرف التاريخ انتصاراً واحداً مقطوعاً من شجرة إلاّ شجرة «ثورة الأرز»، ثورة الـ24 ساعة، الصاعقة «الكذّابية»، كصنفٍ من أصناف اللوبياء، كنوعٍ من الذبحات القلبية، الكذّابية أيضاً التي لا وظيفة لها سوى ترويع الأهل والأقارب والجيران حتى يثبت أن المصاب بها واهم وهي كذّابية.
على كلٍّ، دعنا من الحديث عن ثورات كهذه، عن فورات كهذه، فكلّ الناس صار فيهم خيرٌ وبركة في يومٍ كهذا، يوم جنازة الرفيق سماحة أمس.
هل تعرف؟
لقد لاحظت في صورته التي اعتُمدت منذ توفّي، رأس قلمٍ يطلّ من جيب قميصه الأبيض، أزرق هو أم أسود؟
لم أستطع أن أحسم الأمر، قلمٌ كان يجب أن نسحبه منه في جميع الأحوال.
لا أدري إن كان أخذه معه الى العاصمة البريطانية، ربما ما زال في مكتبه في الجريدة، أو هو في البيت.
على كلٍّ، أصبحت صورته هذه هي وحدها ما سيدلّنا على هذا القلم.
إنّه جميلٌ، هادئٌ في الصورة، تماماً كصاحبه، لكنّه هو هو القلم المرّ الحارق والكاوي.
ليس هذا القلم نادراً وهو موجود في معظم المكتبات وربما في الـ Monoprix حتى وبكميّات، لكنّه ليس القلم الذي مرمر وحرق وكوى.
أريد القلم نفسه.

ليست هناك تعليقات: