31‏/12‏/2006

ملك المَهُول

ملك المَهُول
زياد الرحباني
جريدة الأخبار السبت ٣٠ /12/2006
إنَّ الذي أحرَقَ مكتبة بغداد، هو ونهائياً، هولاكو، ملك «المَغُول».
أعزائي القرّاء، أيا أيها المؤمنون الصابرون، عفواً منكم إذا كنا اليوم أيضاً اضطررنا لاستمهالكم مرةً ثانيةً قبل نشر المتبقي من أُسُس المقترح للجمهورية -صفر B.
فبعد الحديث المَهُول لـ «ملك المَهُول»، الزعيم الوطني الكبير، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، والنائب، الوزير السابق، الاستاذ وليد بك جنبلاط الذي ظَهَرَ جَلِيّاً مساء الخميس على اللبنانيين والعرب دون الحاجة إلى شاشاتهم، ليسبق المعارضة الحالية اللبنانية ويُعايِدهم بأعيادهم المثلثة هذا العام وقد اختار التوقيت، بالساعة والدقيقة هذه المرة، لِيُمَركز ألفاظه على مسافة شبه واحدة من الأعياد الثلاث، حتى إذا ما انفجرت، تضرَرّت كلها بمن في بِكرَةِ أبيها وعهدته، بنسبة متساوية قدر الإمكان، وكافية لِسَدِّ جوعه الشديد منذ نحو الشهر على انسداد الشهية المعهودة والصيام القسري عن الوطن والثورة!
بعد الذي سمعناه أعزائي، رأينا من المناسب مراجعة المتبقي من الدراسة-المقترَح، خاصة أنه يتناول الطائفتين (ويا للمصادفة) الشيعية والدرزية.
فقد إرتأى السيد الوليد أن يعترف، مساء الخميس، لمناسبة الأعياد المجيدة منها والمباركة، بالحقيقة الكـــــــــــــــاملة! ودفعة واحدة.
وهي كيفما فُهِمَت أو وقعت، تضع هاتين الطائفتين بشكل مباغت على ارتفاعٍ من التوتر المُبدع الخَلاّق والمجهول، طبعاً. إنَّ مجموع الصفات الثلاث الآنفة الذكر يُكَنَّى بالـ: مَهُول.
ولماذا فَعَل؟ الله العليم.
يَصعُب عادةً على وليد بك، أن يُنَكِّدَ الأعياد أو المناسبات الأساسية، أحدٌ غيره. كمثل قوى 8 آذار، أو الجنرال عون، أو حتى الرئيس السنيورة أو النائب فريد مكاري، استغفر الله! من هم هؤلاء؟
سليمان بك يُهَدِّد بتسكير الطريق إلى المطار، ربما، فَيَرد عليه السنيورة بتسكير طريق الناعمة بكل تأكيد.
يحصل كل ذلك ووليد بك يَتَفَرَّج؟
هذه من النتائج الحزينة للانقلاب السوري الإيراني الحاصل اليوم (أو أنَّه حصل، لست أدري ما الفرق، مع أنَّ الانقلاب عادةً غني عن التعريف ولا مكان معه للمقابلات التلفزيونية).
إنها نتائج بائسة، شديدة البؤس، عودة إلى الوراء. جنبلاط يريد أن يعيش، ويريد للشعب أن يعيش من ورائه أيضاً، وقد طلب منه أن يلصق ذلك على كل شيء أو مكان، إنه لا يتعاطى مع ثقافة الموت لأنها مُحَنَّطة، عسكرية، خشبية، توتاليتارية، يا بهية!
لكن الحق يُقال، بل يجب أن يُقال، لذا ظَهَرَ الوليد مساء الخميس وقامَ بالواجب.
لقد وَفَّرَ عن الشهود والمشبوهين والمحققين وأهالي الضحايا والمواطنين والمحكمة الدولية الوقت الثمين الذي أُضيعَ حتى الآن لإقرارها: إنَّ «حزب الله» ضالع أيضاً في الاغتيالات التي هَزَّت الوطن.
نعم.
أمّا هولاكو فهو قد أحرق مكتبة بغداد فقط ولا علاقة له لا بالميتسوبيتشي ولا بالضباط الأربعة.
أعزائي، ولهذه الوقائع الحديثة جداً، لا ضَرَرَ من مراجعة مشروع الجمهورية وإجراء بعض التعديل.
إلى اللقاء يوم الأربعاء 3/1/2007

***
- بما أنَّ الطريقة الوحيدة والأضمن لـ: ألاّ تموت، هي، حصراً، ألاّ تُخلَق، حاولْ وبهدوء، أن تتفهم ما يعني أن تكون: عَلِقتَ.
خذ وقتك وأنت تحاول، تجد نفسك شارفتَ على النهاية.
- نهاية ماذا؟
- نهاية الولادة أو الوفاة، لا فرق.

30‏/12‏/2006

لمن يهمه الأمر

لمن يهمه الأمر
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الجمعة 29/12/2006
وكان الله يحبّ المحسنين، وكان يحبّ القرّاء منهم والمؤمنين. أما
الصالحون الصيداويون «المتَعَمّتون»، فلا حول ولا قوّة. (المتعمّتون: المتزمّتون والمتعنتون في آن واحد وفي السرايا).
(السرايا: السرايا الحكومية).
أعزّائي القرّاء، مؤمنين وضالّين، نشرنا في عيد الميلاد الجزء الأول من مقترح الجمهورية B ـــ صفر، وكان يفترض أن ننشر المتبقي منه، نهار الأربعاء المنصرم في 27، لكنّ الأحداث تتوالى وتتزاحم، منها ما يسبق ومنها ما يطغى، لذا عذراً منكم. اليوم يوم وقفة العيد.
غداً، عيد الأضحى، ومعه تقرأون المتبقي من المقترح المذكور.
ويَخْلقُ اللّه ما لا تعلمونْ وقُرَيْطِمَا لا تفهمونْ.
ملاحظة:غطّاسُ، مروانُ و«القحباءُ» تعرفني والشوفُ والبيكُ والمُخْتَارَةْ و الخَدَمُ!

26‏/12‏/2006

الجمهورية ب ـ صفر

الجمهورية ب ـ صفر
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الإثنين 25 كانون الأول2006
مع صدور عدد اليوم من جريدة «الأخبار» وتسلّم المواطن اللبناني إيّاه، تعتبر جميع القيادات والفعاليات، سياسية، عسكرية، مسؤولة: «شخصيات معنوية مؤقتة»، وذلك، حتى يكمل الجيش الحكيم القادر، حارس الحدود، حامي الحمى، عملية تحييد الأراضي اللبنانية المعترف بها دولياً وبصعوبة، عن آثار جميع الأحداث والمجريات التي توالت وتزامنت منذ بداية العام 2005 مع مفعول رجعي يمتد إلى نهاية الشهر السادس من العام 2004، والقرار 1559، هذه الحقبة التاريخية التي أسهمت، وبكل فخر وعناية ولا وعي في نهاية ما يسمّى الجمهورية الثانية أو الثالثة وجعلها الأخيرة دون منازع.
1ـــ في السنّة: يسلّم الجيش الحكيم ـــ بقيادة قائده العماد ميشال سليمان وضمن احتفال رسمي يتضمن استعراضاً عسكرياً للقوة لا الضعف، يمنع فيه الخطباء والبكاء والأعلام اللبنانية حصراً ـــ إلاّ من قبل عناصر الجيش وحدهم ـــ يُسلِّم رئاسة الجمهورية عدد صفر ـــ باء ـــ للسيد نجيب ميقاتي ورئاسة الحكومة للسيد الدكتور سليم الحص.
فالرجلان، بالإضافة إلى الشفافية والنزاهة والعمل الدؤوب والروح الصابرة، فارعا الطول، وقد تم التوافق على أن يكون أحدهما، رمزياً وهندسياً، رئيس الجمهورية. والميقاتي أطول. أمّا الحص، فلرئاسة الحكومة، رمزاً لعودة الأيام الغابرة «الطيبة» وجموع «الأوادم».
وفي ما سَبَقَ، حل تاريخي لعقدة تضارب الصلاحيات، وإن حصل تضارب فسيكون داخل «أهل بيت قريش الواحد»، طائفة سنيّة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.
أمّا عبد الحليم خدّام فيبقى حالياً رئيس حكومة المنفى للقطر اللبناني الشقيق بقيادة ممثل الجماهيرية اللبنانية السيد سعد الحريري على رأس تيار المستقبل، ويُشهر نائب الزعيم، غطاّس خوري، إسلامَه في حديقة عائشة بكاّر، لتتوحد المشارب والانتماءات والجهود، وشعار الجمهورية B ـــ صفر: «وَحِّدوه!».
يحتفظ أهل السنّة، وبالتوازي، بكل ما طالته يدهم حتى الآن في مديرية قوى الأمن الداخلي، ويُشَلّشون تباعاً وعلى مراحل حتى يتم، وبعد انقضاء الأشهر الستة الأولى، القضاء على كل طموح مُزاحم لأي طائفة بالانتماء إلى هذا السلك، يشمل السلك ـــ إلى قوى الأمن الداخلي: الفهود، فرع المعلومات والاستقصاء، خفر الأملاك البحرية المخالفة «المعتدلة»، الشرطة العسكرية، شرطة المباحث والأخلاق، أمن المطار، الجمارك، سيّار الدرك، تيار المستقبل، وسريّة بيروت، الأمن الشخصي لكل الشخصيات في جميع المحافظات والمكعبات والمربعات والمعجنات وبربر وتاج الملوك والكاميرات والكبابجي وعموم الدويلات، وذلك تبسيطاً للخريطة الجينية الأمنية وعدم إدخالها في السذاجة الطائفية التاريخية للتوازنات.
أمّا مجلس الأمن المركزي في بيروت فيخترقه ماروني مدني واحد، رمزي، يمثّل مؤسسة الجيش لا أكثر، بغرض التنسيق إذا اقتضى الأمر، وهو لن يقتضي.
2 ـــ في الروم الأرثوذكس والأرمن: في المقابل، يتنازل بنو قريش ـــ قريطم المساهمون في الأخضر واليابس من بيئة بيروت وهوائها وموكيت العشب اللمّيع والنخل المغذّى على مداخل سوليدير ومفاصلها بسهميها A وB، عن مجلس الإنماء والإعمار وشركة «مبروك ما أوجيه» 83 و«أوجيرو» لاحقاً للاتصالات المتفرعّة من مشروع سوليدير الكبرى، وذلك لمصلحة غساسنة بيزنطيا الأم وسائر المشرق ومهاجري الأرمن، والأولويّة لحلب وكَسَبْ واللاذقية وكيليكيا الاحتلال العثماني، بتسهيل أسعار الأسهم وتأكيد أحقيّة تملّك المذكورين لها... بغية حصر:
A: إدارتها التنفيذية العامة لمشاريع كهذه مفتوحة على جروح المواطنين المتبقين ومصاريعهم، فللغساسنة والأرمن عراقة اقتصادية، رأسمالية نقّالة، واستهلاكية جوّالة وثابتة، بحسب التاريخ.
كما أن لديهم حرفة مهنية عالية وفرادة في التخصص نادرة في مجتمع لبناني زراعي بدائي لولاهم.
B ـــ تأكيد تملّك سوليدير النهائي والمفضّل لمجلس التعاون الخليجي بعد تمدّد حدودها حتى ولاية فارس (عصام) صعوداً في جرود عكار، بكل المخالفات الأميرية الساحلية التي ستُشَرْعَن دفعة واحدة بقرار من وزارة التخطيط والإنماء والدفاعين المدني والعسكري.
أمنياً، يمثّل الروم الأرثوذكس عمومَ الأرمن في وزارة الدفاع استثنائياً، وبالتالي لا مناصب عسكرية لهم بعد اليوم.
3 ـــ في الموارنة: يستولي في المقابل بنو مارون حصريّاً على كل مراكز القيادة والقرار والتراتبية والهرميّة العسكرية وفروعها المدنية في مؤسسة الجيش بما فيه: قضاؤه، سجونه، أجهزته للاستخبار والاستشعار المبكر، فضلاً عن التخابر والتحالف المريبين.
يشمل ذلك: قيادة الأركان، الألوية، الكتائب، السرايا، وحدات المغاوير الخاصة، الشرطة العسكرية، الأمن التأديبي الجديد، أمن الدولة المسيحية المحبطة منذ قديم الزمن المعاصر، حتى يتم إحباط مجمل الطوائف الأخرى بالتوازي وبحسب شعاري: «متساوون في المواطنية» و«كل مواطن خطير».
ملاحظة: هذا ما سيمكّن الطائفة «المسيحية» حاكمة الظل عسكريّاً من الانقلاب ساعة تشاء على الحكومة الشرعية المنتخبة لاحقاً كلّما رأت أن العروبة السنيّة اللبنانية، الإسلامية عموماً، زادت عن المحمول.
(في الطوائف المتبقية، يتبع نهار الأربعاء 27\12\2006)

23‏/12‏/2006

«A refaire» ـ 5


«A refaire» ـ 5
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الجمعة ٢٢ كانون الأول2006
في المقترحات التفصيلية:
حيث أنَّ ميثاق الـ1943 أضاعَ بكرة أبيه لشدّة الفشل المتكرر والمتراكم، بدليل أنَّ عمر الجمهورية من الاستقلال حتى اندلاع الحرب في الـ1975، أي 32 عاماً، وعمر الحرب الأهلية جداً (وتوجد حدائق للأولاد) من الـ1975 حتى بداية الـ2007تساوي 32 عاماً أيضا، بالتمام والكمال.
أي أنَّ عمر الجمهورية المستقلّة يساوي عمرها مقسّمة.
أي أنَّ لا السلم كان سلماً، بل فسحة لحربٍ أهليةٍ حميمة جديدة، ولا الحرب انتهت، إنها تعاود كل يوم. والأرجح أنها ستصبح في صباح الثاني من كانون الثاني 2007، ومع كل انبلاج فجرٍ جديد، أطولَ من السلم والاستقلال وعصير البرتقال!!
ما يعني أعزّائي، أن تكون الحرب أطول من السلم في بلد معين؟
(انتبهوا جداً إلى السؤال، خاصةً في بلدٍ أنعمُ ما يقال فيه، إنه فريد، فَذّ، نموذج حضاري متعدد، أعجوبة معلّقة!
على فكرة، إنَّ كلاً من هذه الصفات يحمل معنيين نقيضين، فلا تُسرُّوا كثيراً.
كلا أعزائي، لقد أثبتت الحرب اللبنانية أنها أثبت وأَدْوَم من السلم، وهي لا تباع في الصيدليات.
إنَّ كل الحروب في التاريخ هي الفترات السوداء بين سلمٍ وآخر، تتمنى الشعوب نسيانها إلى الأبد حتى وهي عابرة دوماً، نسيانها لصالح الاستقرار أو الاستقلال.
(وما دخل الاستقلال دوماً في جميع مواضيعنا، لست أدري.
إنه كالعقدة النفسية أو العادة العصبية السيئة، تعود كالهجس مرفقة بهلوسةٍ متواترة وبتعليق للأعلام على الشرفات وبالإنشاد عالياً)
ملاحظة: إنَّ المؤرخين المدققين يعتبرون أنَّ حربنا بدأت في الـ1973 لا الـ1975.
ولو وافقناهم، يكون، يا أخواني، خلافٌ على الجمهورية، 34 سنة وهو الأخ الأكبر من اتفاقنا عليها الذي لا يتعدّى الـ30! أدامها الله لأهلها.
بالاستنتاج، لا «ميثاق الـ43» حرفياً بعد اليوم، ولا «وثيقة دستورية»، فقد سقطت قبل الثمانينات، ولا «اتفاق ثلاثي» فقد سقط في الثمانين. أمَّا «اتفاق الطائف»، صاحب النجاح المنقطع النظير، فكل الاتجاهات السياسية، يا مخايل، ألمحت صراحةً بأن عدوان تموز الماضي، ومن قبله، مداخل وكراسي وطاولات: كل مفروشات الحوار تخطّته.
لهذه الأسباب ولعوامل كثيرة أخرى ربما سقطت سهواً، نضع في متناولكم، المقترح الجديد قبل أن تبدأوا أية إعادة.
انتهى
ملاحظة: الاثنين يمكنكم الحصول على المقترح العجيب. أحجزوا نسختكم منذ الآن.

22‏/12‏/2006

«A refaire» ـ 4.5


«A refaire» ـ 4.5
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الخميس ٢١ كانون الأول2006
من المقدمة في «الأخبار» * الأربعاء 20 كانون الأول 2006 العدد 110 الى التفاصيل:
بناءً على مجموع المخاوف الجديّة الثابتة لدى كلّ طائفة لبنانية على حدة، وبناءً على رداءة مزاجها العام خلال العامين المنصرمين (ميلادي وهجري)، ونتيجة مجموع القرارات المصيرية التي أخذتها هذه الملل منذ استشهاد الحريري، كمثل الموقف السنّي السعودي ــ اللبناني بما فيه عبد الحليم خدّام، من الوجود السوري، أو الموقف الشيعي المختلف، كالعادة.
الشيعة مخالفون يا أخي بحسب الأزهر ومكّة المكرّمة.
وبناءً على الأحلاف العجيبة التي قامت قبل آخر انتخابات نيابية مستقلّة وحرّة من أي تأثير أميركي أو فرنسي وطبعاً سوري، ونظراً لاستحالة التمييز بين إجحاف طائفة وقنوطها وطائفة أخرى لوفرة الإجحاف وتفشّيه في الحقبة الأخيرة من تاريخنا، فالكلّ مظلومٌ بحسب إفادته.
الإحباطُ المسيحي على ثباته رغم ثورة الأرز ولوحات الجلاء السوري المنتشرة في المتن الأعلى، تحت ضربات تحالف ثوّار آذار الموارنة والدروز بقيادة الرفيقين حمادة ــ شهيّب الأسطورية، وبالرغم من إمساك المسيحيين بمراكز نيابية وحكومية جديدة فاعلة، استُثني منها التيار الوطني الحرّ لكونه خائناً متنكّراً من ريف دمشق، وقد زكّى هذا الإحباط تغييب مسيحي ــ ماروني مقصود لمقام الرئاسة الحالية الأولى. (مسيحي ــ ماروني تعني مسيحي ــ مسيحي أو ماروني ــ ماروني) فالمسيحيون الباقون، من الخوارج.
هم شيعة تقريباً، أو «إسلام» بشكل علميّ، وذلك بحسب الموارنة طبعاً، وروما الكاثوليكية التي لم تعترف بهم إلا حديثاً، بل حكمت على قدّيسيهم بسنين عجاف إضافية من التنسّك والجوخ الخام والمسامير حتى منتصف سبعينيات القرن السالف، قبل تطويبهم، في الوقت الذي لم يستطع فيه كاثوليكيٌّ لبناني واحد مثلاً، وحاضرة الفاتيكان تسنده، أن يفتعل حادثةً فردية محدودة، دفاعاً عن النفس، في نزلة السريان أو في محيط مستشفى الروم مثلاً، وذلك في أحلك أيام فلتان الحرب الأهلية! ما جعل هذه الأقليّة التي تحكم أوروبا، تشعر بعنفوان نادر مكبوت.
فهي أُرغمت على تبعية أحفاد مار مارون الحلبيين «في عقر الأشرفية» لردهة لا بأس ولا جدوى منها ومن الزمن.
أما السريان والآشوريون فـ absent (غائب عن الصفّ) بداعي «المرض منهم».
وإذا أضفنا تركيز محافظي أميركا الجدد على محور الغول الفارسي وهلاله الجغرافي، في مواجهة أهل السُنّة، انصرف تيار المستقبل إلى تحفيظ أبيات العتابا وأبو الزلف الغريبة عن تراثه الديني الثقافي، لينعى حاله لبنانياً، وإلى تدريب عوائل بيروت وصيدا وطرابلس والبقاع الغربي الكبرى على كلمات وألحان نشيد فليفل الوطني وعلى الوَلَه والتيم بلبنان: وطناً نهائياً لا تحدّه، لا سوريا شرقاً ولا اسرائيل جنوباً إلا على الخريطة الساذجة غير النهائية أصلاً.
فالحلف الرباعي الانتخابي الجديد فيه الأخ الدرزي والأخ الماروني والشيعي (لعنة الله) لذا فيه تراث الأرياف الوطنية، وأبسط قواعد التحالف تقضي بأن توحّد الجماهير لغتها الدارجة نفسها، لغة الساحات ومواكب الاستفزاز الجوّالة، ولسوء الحظ فهي لغة طليع حمدان والزغلول وشحرور الوادي لا لغة قُرَيش.
نتيجة ذلك، عاد بدوره الشعور الشيعي التاريخي المعتّق بالغبن والعزلة، والذي غاب فترةً ما بعد اتفاق الطائف نتيجة إنجازات حزب الله على أرض الجنوب. عاد والعَود أحمدُ وعليٌّ والحُسين ثالثهما. صلّى الله عليهِمُ جميعاً وسلّم. وهذا ما ينفّر فرنسيي الجمهورية والبطركية والقرنة والـ«سانتر ــ فيل» عليكِ يا مريم! وبالتالي يُشعرهم بعزلة مؤكّدة، عزلة بلدية بشَهدِها.
وبناءً على أنّ الدروز في هذه المعمعة، لم يقف وغدٌ واحدٌ من المذكورين على خاطرهم، والعدد دوماً، ظالمٌ تاريخياً. فهو يتبجّح ويجتاح. لذا تتمسّك الأقليّة بمبادئَ كالديموقراطية أو الاشتراكية الديموقراطية كي تعيشَ ولا تنقرضَ، وهنا بحرف الـ(طاء).
إن الاشتراكية في هذه الحال تؤمّن المعاملة بالمِثل بمعزل عن العدد. لذا نستطيع أن نفهم القلقَ الجنبلاطيّ المزمن، وما يمكن أن ينتّج من عدائيّة عموميّة ضامرة حتى النصر.
إن الصورة عند هذا الحدّ من التوصيف، غير مشرقة، إطلاقاً. لكنّ الأمل بالوطن المفترض ونحن لمّا نَزَل على الخارطة حتى الآن، لا بدّ منه. وهو المدخل الرئيسي لمجموعة الاقتراحات الآتية التي يمكن على أساسها، وبرأينا، حلُّ كلّ هذه المخاوف المتبادلة وذلك مباشرةً بعد الأعياد المقبلة.
علّ «المؤسسة الصبيانية للإرسال» تجد، وبعد حلول العام 2007، ما تصوّره غير عاشوراء الكراسي والمقاهي الفارغة يومياً على طول شارع المعرض وحمامه المستوحش الذي تفرّغ للأمكنة وراح يخرى حزيناً على كلّ شيء، كلّ شيء.
غداً الحلقة الأخيرة فعلاً. إنّها المأساة.

21‏/12‏/2006

«A refaire» ـ 4


«A refaire» ـ 4
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الأربعاء ٢٠ كانون الأول2006
... وإن أضفنا إلى الخطأ الفاضح المزمن المُسمّى: «التعايش»، عبارة أخرى هي قنبلة المواسم على الدوام، وها قد عادت بعد حرب تموز وتطويق السرايا الحكومية على لسان ماقِتِها الأول وليد بك جنبلاط: «لا غالب ولا مغلوب» (طبعاً، فالبك لم يعرف سوى الغلبة، وهي في هذه اللحظة مَطوِيّة، مَكِويّة، داخل أحد جوارير الرئيس السنيورة، الملك)، نَكُون كالمُمعنين في اللّا حَلّ!
إنَّ الكراهية المتبادلة العليا، كالتعايش التي حَلَّت أخيراً، في الغالب والمغلوب، كراهيةٌ تُجَمِّرُ الإسمنت والنحاس.
إنها مخيفة في عصرنا، فهي ليست حتى للراشدين.
إنَّ عبارة لا غالب ولا مغلوب، ملفوفٌ عليها التعايش، وبهذا الإصرار هي مقدمة الدمار اللبناني الشامل.
إنّ الأجيال الناشئة الحديثة، الغائبة عن الإدراك بعد أن ختمت الوعي، تُحَدِّقُ إلى مستقبلها التائه في غَطيطَة التلوث العالي الجاثم، وعلى علوّ منخفض، فوق صدر الوطن،
لذا، فإنَّ إعادة العام 2005 حتى آخر يوم في الـ2006، أي: الإعادة بحسب الواجب، أي: «a refaire»، هي واجبٌ وطني، لا بل دراسيّ.
ويُفضَّل قبل البدء بالإعادة، الأخذ ببعض المقترحات والأفكار حتى لا يتكرر لا الخطأ ولا التاريخ.
هي غير ملزمة بالنهاية، خاصةً وأن مُقتَرِحَها من جريدة «الأخبار»، لكنها صَدِّقوني، واقعية نتيجة رصد يومي ومواكبة مؤلمة لحربٍ بدأت في قرنٍ سابق، العام 75، وهي مستمرة وبكل ثقة ونوعية حتى اللحظة.
في المقدمة: بعد أن وصل لبناننا العزيز إلى شفير الهاوية وطار في هوائها، واقترب من نقطة الانفجار وداسَ عليها وأنفجر وطاول تطايره دول الجوار، وبَلَغَ حافة الانهيار فقفز والأتربة من ورائه، وشارفَ على نقطة اللاعودة، عَبَرَها ولم يعد: تمَّ التأكد من أن الإمعان في تعاطي التعايش المُنَضَّب بمحلول «لا غالب ولا مغلوب»، وذلك في الأماكن العامة والصحف ودور النشر والإعلام المرئي ودور العبادة وعلى الهاتف المحمول والرسائل القصيرة، هو أمرٌ ممنوع منعاً باتاً، من قبل قيادة الجيش الحكيم القادم، وذلك تحت طائلة المسؤولية المعدومة حالياً، وقد أمهلها وأمهل مواطنيها حتى نهاية العام الحالي، كي يُرَتِّبوا أوضاعهم القانونية الأخلاقية وحدودها الواضحة، أي: المسؤولية.
لقد مَرَّت جميع إنذارات هذا الجيش العتيد السابقة، دون محاسبة صارمة كما وأهدرت فرصٌ كثيرة للتَعَقُّلِ والتَبَصُّر، وكان حكيماً فتغاضى عنها.
إنَّ الجيش الحكيم، المُرَ قَّط الصَرف، غير العابئ بأصول الشخصيات ومناشئها السياسية، يُحَذِّر الجمهور العريض المتماهي المتظاهر بكل أنواع التعبير المنسوخة وأساليب الاعتراضات المترجمة والثورات البرتقالية الكذّابة والأكثريات الورقية الطائرة الموبئة للديمقراطية والجمهورية، وخاصة للحريّة، يُحَذِّر من مَغَبَّة الاسترسال في الغرائز الملتهبة والعنفوان المنتهية مدته، ومن اليمين الأبرص واليسار الخلاسي، أي الأممي الديمقراطي.
كما يُحَذِّر، وللمرة الأخيرة من استعمال «العلم اللبناني حصراً» كلمّا دقَّ الكوز بالجرّة، ويُنذِر العائلات السبع والعائلات التسع والعائلات الأربع من كل المِلَل، وعموم الأهالي والعائلات المتفَرِّجة المهبولة، والطواويس والديوك والـ«بيوك» وهذا السلوك، يُحَذِّرها من النفخ المتواصل في الدواجن وشحنها بالمقويّات الاصطناعية وهرمون التآخي الفاسد، وشحذها بالهِمم المتحلّلة والكبرياء «الأحوَل».
إن قيادة الجيش الحكيم، الشامل، تمهل عموم المواطنين، مقيمين ومهاجرين، حتى الساعة الثانية عشرة من ليل الأحد الواقع فيه 31 كانون الأول، حتى يعودوا إلى رشدهم. ويحتكموا مرّة واحدة إلى ندائه المدني الفعلي الأخير.
كما تطلب من عمومهم فوراً: توخّي الحذر المتعدّد ومتابعة البيانات الصادرة عن مديرية التوجيه والإعلام التابعة لها.
إنَّ الهذيان الوطني العام بلغ حدّه هذا العام، أمّا السَيْلُ فقد بَلَغَ الزُبى.
لذا فقد حُلَّت جميع مبادئ «التمويه» المعتمدة، وحان وقت النظام الوطني المرصوص.
إنَّ الآتي أبقى وأعظم!
نهار الأربعاء 20-12-2006 (ميلادية)
غداً حلقة خامسة وأخيرة

19‏/12‏/2006

«A refaire» ـ 3


«A refaire» ـ 3

زياد الرحباني

جريدة الأخبار الاثنين ١٨ كانون الأول2006

طَلَعَ البدر علينا إذن، يُهَلِّله فؤاد السنيورة.

طَلِعَ بشكل حكومةٍ قديرةٍ بمجلس نيابي وراءها، قوية بجماهير 14 آذار المائجة «حقيقةً»، حكومة دون منازع ولا رقيب ولا حسود.

حكومة واعدةٍ رغم وجود ملك جمال القوات الوزير سركيس ووصيفته الأولى نائلة الملكة رمز الإثارة النيابية وعصير البرتقال، حكومة فتحت في الثاني من آذار أجمل ما في الكلمة من «حوار».

فتنفست المعمورة، وخاصة أنَّ بيانها الوزاري عاد وجمع بين السياحة والتحرير إكمالاً لمسيرة الشهيد الحريري ومزارع شبعا وعصير البرتقال.

ميليس يشحن حصان «زورو» بحراً ويغادر جواً، وسط جو من التوعّد بالأفصَح والأفضَح.

يصل سيرج براميرتس، خليفته، من الأبجد والهوّز بإذن الله.

فحجَجُ «زورو» ومطالعاته كما مصادره ومجموع الإفادات توصلت إلى ما فحواه أنَّ:

استشهاد الرئيس الحريري جاء نتيجةَ محاولة اغتيال ناجحة، لذا فهو استُشهد.

ثانياً: من المؤكد أن العملية تَمَّت على الطريق البحري بين فندقي الفينيسيا ومار جاورجيوس.

ثالثاً: من المُرَجَّح أن يكون هذا التفجير نتيجةَ شحنة متفجرة هائلة موضوعة إمّا فوق الأرض وإمّا تحتها على أبعد تقدير.

أمّا الشهود فكلهم ملوك، كما لا توجد شهادة واحدة للتلف.

وللتأكد من ذلك يمكن مراجعة الوثائق كلها أو، «ماكسيموم»، إعادة التحقيقات من الأول.

الحوار الوطني يستمر مُذَلِّّلاً العقد الوطنية الكبرى، ببطء لكن بتأنٍّ، حتى وصول البحث إلى نقطة «الاستراتيجية الدفاعية للبنان»، ذلك عند أوائل شهر حزيران حيث برز تباين رئيسي بين فريقي آذار.

يرفع الرئيس السنيورة الحوار إلى أواخر الصيف، إفساحاً في المجال للحصان الاقتصادي كي يتَبختر ويختال بعَراقة ودلال، ورحمةً بطوابير السيَّاح الوافدين إلى جنة الله الواسعة، إلى لبنان الأسطورة كالكذب، فعلاً، حتى قال في 12 تموز، الكريم: خذوا...

(الجمهورية تَكفَهرّ، الصيفُ يَتَكَوَّر، الحوارُ يَتَعَوَّر، الدرَّاقُ والإجاصُ يتأخَّر، العِبادُ تُهَجَّر، والكثير الكثير يهاجرُ يَتَبَعثَر، لم يكن أحدٌ يتصوَّر...)*

عدنا إلى السفن والزوارق عِوَضاً عن الطائرات، عدنا إلى المازوت بدل الفيول، عدنا إلى الأمام وإلى الوراء.

كان «الكريم» فعلاً على حق.

قال خذوا وأخذنا. كل شيء مشتعل ومحاصر، والحكومة صامدة مصرّةٌ على تقرير سياسة لبنان الدفاعية، دون حوار، والآن، وتحت آلاف الآلاف من الصواريخ الأميركية.

لكن لبنان بدأ فجأةً، في 13 تموز، كتابة تاريخٍ، نوعه نادر عليه وعلى محيطه، لا أثر لطائفة فيه.

فحتى التراب اليابس، الداكن اللون في الجنوب، يواجه العدو، يتطاير نحو المقاتلات الإسرائيليات.

وهذي صيدا وصور، كما دوماً، ظهْرُ المقاومة المنيع الضليع، العاسي التاريخي.

هذي حديقة الصنائع في بيروت، لمنامة الجنوبيين.الشيعة، كما دائماً، في صدارة المواجهة.

الطوائف الأخرى يصدمها هول الحقد الصهيوني الذي حَلَّقَ فوقها كلها، ذكَّرها ورَوَّعها، فلا تعرف ما تفعل.

تتضامن حياءً، تذوق عيباً، تحدّث في الانسانية! وهنا الحدث.

إبداعٌ فينيقي آخر دامَ ثلاثة وثلاثين يوماً.

في اليوم الرابع والثلاثين، استيقظ هذا الوفاق على منامٍ بشع.

إنه المنام المُفَصَّل أعلاه حيث تعايش مُكرهاً تحت ضغط المشاعر الإنسانية المقرفة.

فعند إعلان وقف إطلاق النار اعتقد الفرقاء، «يَه» ما أحلاهم، أن هذا الوقف يسري أيضاً على الحوار، على التعايش، فأوقفوا معه التعايش والحوار.

وأعلن فتح المطار، فاعتقد الفرقاء، «يَه» ما أبهاهم، أنَّ هذا الفتح يسري على الحسابات، ففتحوا الحسابات المتبادلة كلها من أصل الميثاق إلى الدستور إلى الشرعية وساروا من اتفاق الطائف نزولاً، عكس التاريخ، إلى وثيقة الاستقلال.

وهذه عادة سيئة تلازم الفرقاء، تحديداً منذ وثيقة الاستقلال.

إنَّ كلمة تعايش، كلمة خاطئة حتى لغوياً في لبنان، إنَّه: إما عيشٌ مشترك أو لا عيش، أمّا التعايش فلا مَندُوحَةَ منه ولا معه.

* يستحسن ألّا يقرأ أيٌّ من رؤساء الحكومات اللبنانية هذا المقطع المؤثر بين قوسين.

يتبع يوم الأربعاء

16‏/12‏/2006

A refaire» ـ 2

A refaire» ـ 2
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الجمعة 15/12/2006
وهل كانَ من الممكن أن يكون إغتيال الرئيس رفيق الحريري صائباً؟ كلا على الإطلاق.
إنَّه أكبر حماقة بعد الألفية، كائناً من كان القاتل، لذا فهذا هو الخطأ الرئيسي.
و“الإعادة” للتصحيح يجب أن تبدأ به، أي أنَّ شهر شباط سَيَحلُّ هذه المرّة ويَمُر دون الإغتيال.
هذا صعب لكنه الأفضل، فالإغتيال كان خطأً مُريعاً أدّى إلى تَسَلسُلٍ مُبَرمَجٍ مُستوحىً من مجرى الأمور والوقائع حينها في بلادنا. وقد اتى مناسباً لمخططيه، ليسَ للبنان.
الإغتيال - إتهام سوريا بالإغتيال - إستقالة حكومة كرامي - وصول بعثة فيتزجرالد لِتَقَصّي الحقائق والتي لم نلاحظ وقتها أنّها لا تعمل إذا كان المطلوب حقيقة واحدة فقط.
فيتزجرالد باحثٌ شغوف عن حقائق الكون كلها دون استثناء، سبحان الخالق الذي وحده، سبحانه، خَلَقه ليحيط بها.
بدليل أنَّ فيتزجرالد هذا، غادر وتركنا نبحث عن حقيقة واحدة بالكاد نعرف أين تبدأ، أمّا الحقائق المتبقية فأخذها معه وسلَّمَها للرفيق “زورو”، ديتليف ميليس سابقاً.
ثم بدأ الإنسحاب السوري وقد تَمَّ بأسرع ممّا حَدَّدَهُ المجتمع الدولي المتحد فجأةً.
وهنا أيضاً، خطآن،
الأول: إتحاد هذا المجتمع السَلِس المريب والجديد.
الثاني: الخروج السوري المُسَرَّع عدا نوعيته التي أُجمِعَ على أنها مُهينة. لذا وَجَبَ عند “الإعادة”، تصحيحٌ الأحقاد، أو موازنتها على الأقل، فالحقد بين الجيران دوماً خاطئ. لأنّه لو نامَ فإنَّه بالفعلِ يَبيت.
الجنرال عون يعود في 7 آيار ، ويتَنَبَّه وهو يفرغ حقائبه إلى القافية بين آذار وأيار، يلي وصوله تشكيل حكومة الميقاتي المؤقتة التي رَست عليها مناقصة تنفيذ الانتخابات. فالميقاتيُّ، رجل الأعمال الناجحة والصامتة.
إنتخابات إستعجلها - وهذا للتاريخ - الأميركيون والفرنسيون أكثر مِنّا، ودافعوا من حيث لا يشاؤون عن قانون غازي كنعان حتى الموت!
فَكِّر وأربح.
لماذا؟
هنا أيضاً خطأ جسيم ومريب ويجب تداركه في الإنتخابات القادمة قريباً.
“زورو” وعصابته يَطأون أرض المطار وينتشرون، يُطوّقون رجال الأمن العام والجمارك ويُفَتِّشون حقائبهم بأنفسهم، فهم المُدَرَّبون على الحقيقة. خاصةً أنَّ فيتزجرالد حَصَرَها وراحَ المدعو ميليس يوقف العابرين بالجملة وكلّما خَفَّت حركة المرور نتيجة كثرة التوقيفات، يقصدهم هو، بل يَدهَمهم في مَحالِ إقامتهم ويعتقلهم. ذروةٌ في الحِرَفية والحزم.
وقد عانى في فترة معينة من نقصٍ في الشهود اللبنانيين لكثرة ما إعتقل منهم.
لكنه ثابرَ حتى توفَّقَ، ورغم الإنسحاب السوري الشامل وترحيل آلاف العمّال ونزوحهم، إلى توقيف شهود سوريين.
فأخذوا عنه كمّاً لا بأس به من الأخطاء والتناقضات، فَتاهَ “زورو”، واعترف مرّة ومرتين بالخطأ وأصَرَّ أن يؤكد لنا النظرية القائلة: الوحيد الذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل. فطلبنا إليه عبر حكومتنا وبشكل سرّي ولائق أن يخترع حجّة، فَصَرَّحَ يوماً بأنَّه مرتبطٌ بعملٍ “رهيب” في ألمانيا، وهكذا استطعنا إيقافه عن العمل والخطأ.
وعلى فكرة فقد أصبح في آخر أيامنا، يخطئ دون أن يعمل حتى.
وكان قد إنتهى في حينه عُمر حكومة الميقاتي، وطَلَعَ البدر علينا...
إستقال الميقاتي وكانت ليلة القدر، تَضَرَّعَ المؤمنون امّا المحسنون منهم فناموا باكراً لشدَّة إحسانهم في البحر.
وكان صوت عاصي الحلاني يَشدو من الماضي: “بيروت عم تبكي...”، فيجيبه أحمد قعبور من المستقبل: “قولوا، قولوا الله...”.
واستجابَ ليلتها العلّي القدير لصلوات عبّاده الطيّبة العَطرة.
يتبع يوم الإثنين

14‏/12‏/2006

A refaire ـ ملحق

A refaire ـ ملحق

زياد الرحباني

جريدة الأخبارالخميس ١٤ كانون الأول2006

أعرِفُ أنَّ ما اقترحته البارحة صَعبٌ على القارئ، والقارئ هو المواطن عموماً.

عامٌ كعام 2005، كُله للإعادة شيء ليس بثقيل فقط، بل مؤلم، وجداً.

وأعرف إنه يؤلم، يؤلمان، يؤلمون، يؤلِمْنَ.

إنه يؤلِمُهُنَّ ويؤلمنا اليوم كما آلمنا وآلمكم، كما آلَمَهُ وآلَمَها، طبعاً، فقد آلَمَهُم جميعهم وآلَمَهُنَّ.

هذا مؤسفٌ، لكنه واقعٌ قبل أن يكون مؤسفاً.

أنا آسف لذلك الواقع، وهما مثلي آسفان، حتى مخايل آسفٌ أيضاً.

أمّا هم، فآسفون وآسفات، يؤسفها كما يؤسفهم ويؤسِفهُنَّ هذا الأسف كله.

لقد مضى حتى صباح هذا اليوم ستمائة وتسعة وستون يوماً على اغتيال الرئيس الحريري وكل ما حَصَلَ بعده حتى البارحة مساءً.

هل كان يَشك أحدكم يوماً من هذه الأيام التي وَلَّت، أن نكون اليوم ننتظر نتائج التحقيق؟

لقد صَدَرَ البارحة التقرير الثاني للسيد براميرتس.

ما رأيكم؟

كل شيء يؤكد وذلك نتيجة «تبصير» أنَّ هذا الانسان لا يزال لديه مُتَسَعٌ لا بأس به من الوقت للوصول إلى الحقيقة.

فمتى إذن سَتَصدر نتائج التحقيق لحادثة مرجعيون؟!

للبحث صلة، وكما وعدناكم البارحة:«يتبع غداً»، فهو: سيتبع غداً.

13‏/12‏/2006

A refaire


A refaire
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الاربعاء ١٣ كانون الأول2006
كان أسوأ ما يمكن أن يفعله أستاذٌ مع تلاميذه، هو أن يشطب على ورقة تسميع أو فحص أحدهم بقلم حبرٍ ناشف كخلقته أحمر، بنخوةٍ وبالوَرب من آخر الصفحة صعوداً الى أوّلِها. ويَستريح مُدوّناً في رأسها عبارة « A refaire» (أي للإعادة).
إنها لحظة شديدة الاحباط، والتأمل بجدوى الدراسة وبالمدرسة والحياة أيضاً.
كل شيءٍ، من الأول. أي أنَّ لا شيء صالحٌ في كل ما هو مكتوب بالكد والمثابرة، لا أَمَلَ من هذا التلميذ رغم كل نواياه الطيبة والتعاون من جانبه لتخطّي الفحص والغوص في بحر العلوم، رغم رغبته الشديدة لمعانقة الرَكب المثقف ومقارعة المعرفة.
«تفء!»
إنَّ السنة 2005 يا أعزائي كما حال هذه الورقة المشطوبة ورباً، للإعادة «A refaire»!لماذا؟ لأنها كلها، يوماً بيومٍ، خطأ. ولا شيء فيه، فيها، أدنى إشارات الصواب.وأكبر الدلائل على ذلك هو وصولنا إلى العام 2006 بحلاوة الروح، فرداً فرداً لا وطن لنا ولا «مجتمع» (من الجمع أساساً)، لا مؤسسة، لا جمعية، لا حزب، «نَنْسَتِرُ» فيه.
إنها «absent» (غائبة)!
«تفء».
إننا يا إخواني، ومخايل يشهد، نسيرُ بلا منطق، بلا فهم، بلا استشرافٍ لأسبوع ٍ واحدٍ قادمٍ علينا. فكيف بمستقبلٍ مَهولٍ كاملٍ مجهول يتقدمُ باتجاهنا أو ربما باتجاه الغير، لا نعرف اسمه الصغير، فكيف باسم العائلة؟
إنه عام العودة إلى الجذور، إلى مضارب الطائفة قبل المغيب. مع الماعز والأبقار.
إنه عام ترك الجامعة نحو المزارع، عام هجر الدراسة إلى القبيلة قبل أن تجهز وحدها على كل الطعام.
إنه عام توقيف المشتبه بهم توقيفاً مؤبداً وإطلاق المجرمين المحكومين إلى الأبد.
لا حقيقة شبه متماسكة لحدثٍ واحدٍ تَمَّ في هذه السنة الملعونة، لعنة آلهةٍ لا إنجيلَ ولا قرآن لها.
فالشهيد الرئيس الحريري سَكَنَ سِرُّ الأسرار وسحر الخيال ملفات اغتياله وعََشَّشَ في أطنان من أوراق التقارير والتحقيق، وأيّ تحقيق؟«التحاقيق» في اغتياله.
والحقيقة ترفرف كباشقٍ مُصابٍ مُنازعٍ، لكنه حَمَلَ وراح يُحلّقُ تحليقاً مُعَوّقاً كي لا يَحط في أي مكان. فأرعب الطيور الموسمية فوق العاصمة، وأصبحت لا تقاربها ولا حتى على أشكالها تقع.
أصبح روجيه إده يترأس حزباً مثلاً، وكأن حزبه هو ما كان ينقصنا.
أصبحَ غطّاس خوري رجل المهمات الصعبة الوحيد، فعندما يظهر يعني أننّا متجهون نحو كارثة.
أصبحت الحقيقة، هي ما غيرها، المعلن عنها ولها على كل مساحة مسطحة، من جدرانٍ ومبانٍ ونوابٍ وجبهاتٍ مصفحة وزجاج سياراتٍ وشاشات تلفزة وفانات أطفالٍ بريئين من دَمِ هذا «الصِدّيق».
وهسام هسام. أصبحت الحقيقة المأسوف على شبابها مسطحة أيضاً لصالح الحياة اللبنانية.
فقد أصبح للمحكمة الدولية، إعلانٌ تلفزيوني يلي إعلان الـ«نيدو» والـ«ديويرز» والـ«فانتازيا»، وللسيادة إشارةٌ قبل «ميشو شو».
أصبح للشهداء الذين اغتيلوا، محطات مرئية سريعة كوجبات الأكل الأميركي، قبل برنامج «الوادي» وافتح قلبك.
أمّا للشهداء الأحياء، فلهم برامجهم الخاصة يظهرون هم فيها، وهي طبعاً، لمن هم في عمر الثامنة عشرة وما فوق، حيث أنَّ حضور الأرواح وارد في أي لحظة، والمشاهدون، على عدد الدقائق، يَتَدَيَّنون متمتمين بأحرفٍ من تضرعاتهم وصلواتهم كُلٌّ على دينه، قبل أن تظهر عليهم نجمات الاستعراض المُفَصَّل، كما في «دروس الأشياء»، لكل عضو في الجسد البشري على إيقاع تردداتٍ وذبذباتٍ وكأنّها من تلحين كمال الحايك حصراً، مدير مؤسسة كهرباء لبنان في ساعات الذروة ظهراً.
كمال الحايك في آخر أعماله:سي دي وكاسيت خط التوتر العالي.
«a refaire» من دون أدنى شك ولا مراجعة وإلّا فلا عَامَ مقبلاً سنة 2007، لا عامَ وأنتم بخير.
يتبع غدا

09‏/12‏/2006

عاجـل [4] تابع

عاجـل [4] تابع
زياد الرحباني
جريدة الأخبارالسبت ٩ كانون الأول2006
أصبح الجوّ على كل الطرقات المؤدّية الى بيروت ماراتونياً، فقد حان دور سباق السيارات. لا الاتجاه محدّد ولا نقطة الانطلاق ولا الوصول.
لا وصول الى بيروت بالمرّة!
جمعية «فرح» المشاركة في السباق، هي جمعية تسعى الى إسعاد الأطفال حتى لو، وفي هذا النهار، بلع حوت متوسطي القرية الماراتونية بغزالتها وباقي الظبيان.
شابّات ذوات نخوة نادرة للإسعاد الطفولي في الحروب، لكن ما إن رمقن وهنّ عاديات، نقطة الوصول حتى هُرعن مهرولات، ونسين الأطفال وعاد الإسعاد منهم اليهنّ، فطِرنَ! وما كان من شبّان الجمعية الا أن حذوا حذوهنّ طبعاً، في سبيل الوصول معا،ً جمعيةً واحدةً للطفولة تماماً كما هي حال الشعب اللبناني منذ سنين.
طفلٌ متأخرٌ عن نقطة الوصول، خاصةً وقد فقد رعاية الجمعية في هذه اللحظات، استفاد وانحرف عن خطّ السباق.
طفلٌ يكره الركض أساساً ويكره المدرسة ويكره جمعية «فرح».
طفلٌ سمينٌ كثيراً ويفضّل أن يفرح وحده، كثيراً. دخل ساحة الشهداء فبُهر بالأناشيد وراح يشدّ المحتشدين بملابسهم ويسأل كيف وأين يمكنه أن يجد الـ «ميري ــ كريم».
إنّه الأحد!! الساعة تميل الى الثالثة، عاد التشنّج على حين غرّة الى قصقص.
قيادة الجيش تقرر إدخال المغاوير فترسل فوجاً على الأقلّ من أفواج التدخّل الخاصة.
يبدو أن الحسم واجب ضاغط، والا فالفلتان. والمغاوير لا يطيقون الفلتان، خاصة اذا جاء من غيرهم.
وصلوا الى المكان من نقاط عديدة، صوت يزعق، لا نسمع ما قال، يشرعون برمي القنابل المسيلة لتفريق «المتعايشين على هذا المحور من بيروت».
وكعجائب الله الآسرة، تتدبّر السيارات العالقة في ازدحامها على كلّ الطرقات المؤدية الى البربير، تتدبّر أمرها ويتجلّى السير بل يصبح سريعاً من دون إشارات ضوئية أو بوليس.
لا إله إلا الله أكبر. هكذا تكون الدول.
الساعة تُشير الى الرابعة، موكب سيارات متراصّة ومسرعة مليئة بـ «الدبّيكة والردّيدة» يعبر طريق المرفأ، سوق الأخشاب سابقاً، (أين الأخشاب!) ليخترق حواجز مجمّع «البيال»، بنيّة أن يُحاصَروا فيه لا خارجه، وذلك كي يُحيوا الليلة الأخيرة من مسرحية «صحّ النوم».
فيروز، هي، سبقتهم الى الهنغار وهي منعزلة في الكواليس تراجع إنشاداً، مطلع دبكة لا على «البيال» ولا على الخاطر! يقول: «ويغلى على سنين الغَلا محبوبي» وتعيد.
يخرج السنيورة، يطلب أن يصلوه بالفتفت فوراً ويعود الى الغرفة.
الفتفت على الخطّ: «سآتي طبعاً لكن ليس الآن، فأنا مستهدف، ودمّي مهدور».
فيُجنّ السنيورة: «دمّك مهدور؟ ولِيش أنا إيش؟» ويُقفل الخطّ بصخب، يمدّ يده ويُرخي ربطة العنق.
كان جواب الفتفت قاضياً. لا يعرف الرئيس كم أن أذنيه حمراوان، الا عند سماعه أزيز صوت الملكة معوّض من على باب غرفته مواسيةً: «فؤاد، أذناك شديدتا الاحمرار، استلقِ بعض الشيء، نحن هنا،
الوضع ممسوك، المحتشدون لا يتجاوزون الثمانين ألفاً وكل ما تراه، خدعة تلفزيونية، المعارضة وصلت الى الطريق المسدود».
يهبّ السنيورة من صيدا الى بيروت: «أيّا مسدود؟ إحنا اللي سادّين الدُنيا والمَلاَيكة وبعدين يعني؟» هاتف الملكة الخلوي يرنّ، فتستأذنه وتخرج.
هنا، ولأوّل مرّة منذ 4 أيام، يفكّ السنيورة ربطة العنق ويجلس على طرف أريكة أناضولية.
مواطنة اسمها كريستيان خوري، تقفز من سيارتها ال «هيونداي» بعد ما سقط عليها احد الأقواس المرفوعة للماراتون وتنجو بأعجوبة، فرقة الجيش الموسيقية على جادة شارل حلو مستمرة في عزف «نشيد المظليين» أمّا قائدها فتركهم وهُرع وأحد مساعديه لمساعدة المواطنة وتهدئة روعها.
المرأة لا تقبل الحادثة وتصرّ على التعويض المعنوي قبل المادّي وتريد رقم مي الخليل شخصياً، لا العريس ولا الداعوق، ولا حتى مكسيم شعيا! (راجع عاجل 2).
هذا كلّه كثير، كثيف، خيالي لكنّه وقع والليل بعدُ بعيد.
كل الذي حصل لا مكان للقوّات الدولية فيه، لاحِظوا.
لكنّ النهار لم ينتهِ بعد ولا مشروع الاعتصام الطويل.
أين القوّات الدولية مثلا في هذه اللحظة؟ إنّ سحر طبيعة بنت جبيل خيالي أيضا، لكنها موجودة.
إنّه يوم الأحد نفسه هنا وهناك. يومٌ منعشٌ ومشمس.
الجنرال بيلليغريني متمدّد يستظلّ صفصافةً للهضم، لم يُرد الجنرال، ظهيرة هذا اليوم، أن «يَكسفَ» جنوبياً واحداً فأكل كل ما قُدّم له من «ملسا» وأكل كمّونتها طبعاً.
في أمر اليوم: استرِح، لا خطف جنود اليوم، لا تحليق طيران اسرائيلي حتى الساعة.
إنّ أمن اسرائيل في أحسن أيامه، هذا اليوم.
تذكّروه انتم ايضاً، انّه يوم 3-12-2006.
تَمّت

08‏/12‏/2006

عاجـل [3]

عاجـل [3]
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الجمعة ٨ كانون الأول2006
السنيورة يشعر بالضغط المتعدد، وجهه بدأ يعبق ويَصعُب عليه في اللحظة أن يَحُلَّ ربطة العنق الملازمة لرقبته.
يُخَيَّلُ إليه إن فَعلها سيكون هذا تنازلاً أولاًً للمعارضة.
هذا خارج الحسبان.
فلتُبَلِّط هذه الثورة البحر! أقَلَّهُ ما تردمه سوليدير، فالمتَبَقّي من المياه الاقليمية أصبح يسيراً.
الرئيس متماسك، مصمم ومُحَبَّب، مهذب، مرتب فلماذا اللعب بربطة العنق في لحظة تاريخية حرجة؟
الربطة على عِقدتها منذ أربعة أيام وهي إن دَلَّت على شيء فعلى صلابة موقفها وعِناد الرئيس.
البارون مروان حمادة في غرفة مجاورة، يَبُخُّ أفكاراً تصعيدية مستوحاة من «حرب النجوم» و«اقتحامات الكواكب» فيطلب السنيورة إغلاق بابه وباب البارون ويُعَمِّم على حرسه انه في اجتماع ليختلي دون أن يختنق، إنه لا يتحمل اقتراحاً اضافياً واحداً.
يقرأ الفاتحة فلا تفتح.
إنه الانسان النموذجي في اللحظة المثالية لما يُسَمّى: لا يُحسَد على...
وئام وهاب في هذه الحين من على المنبر وقد اعتلاه، يَعُرُّ على اللقاء الديمقراطي ويلعن الساعة والأب وأم الإشتراكية الدولية في مهدها. فيلهب المحتشدين وأكثرهم تأثراً: الدروز.
الدفاع المدني لا يتأخر، فينقل أشد الملتهبين ويُسعف.
الشيوعيون يقسمون: ما في نوم بعد اليوم، إرفعوا أيدي الـ «أف بي أي» عن التحقيق الدولي، وأين صار هذا التحقيق في اغتيال «أبو أنيس» القائد والسيد رفيق الحريري أيضاً.
طليعة متسابقي الماراتون دخلت منطقة برج حمود.
مشاهدون من الجانبين يتابعون، منهم من يسألهم بلهفة: «من أين تأتون؟ كيف الأجواء في بيروت؟ هل أنتم من المعارضة؟» لعل حملة الماراتون الاعلامية لم تُرَكّز بما فيه الكفاية على موعد الماراتون الجديد وعلى نشرات باللغة الأرمنية.
بالمقابل بعض شباب الرامغافار (الأرمني) مندسون بينهم، يحملون أمواساُ مخفية بين أكمام قمصانهم، لا يتفرّجون، إنهم يتفرّسون في وجوه العدّائين عَلَّهم يقعون على عدّاء تركي أحَبَ أن يركض من أجل لبنان رغماً عنهم وعن قرار الحكومة اللبنانية واسطنبول.
فلا خسارة في حال وُجِد من أن «يَشطِبوه».
بطرس حرب، في هذه الأثناء، وَجَدَ طاولة في السراي إنما أصغر من تلك التي تحاوروا حولها، فجلس الى جانبها يُفَكر بما آلت إليه الجمهورية، رئاسته الجمهورية، فما العمل؟
ميشال نائلة معوض يتمرن على خطاب غاضب يُعِدّه لقوى المعارضة ولا يعرف حتى الآن لا متى ولا أين سيلقيه إنّما يحاول التركيز على ألّا يؤثر الصراخ الصادر منه سلباً على حرف «الراء».
وَصَلَ حارسان أغلقا باب الردهة التي يخطب فيها بعدما استأذناه هو وفخامة الرئيس بطرس حرب الصابر الى جانب الطاولة الصغرى فصوت الرفيق ميشال يصل الى السنيورة وهو ما زال في الاجتماع نفسه مع نفسه.
الملكة الأم، «ماري انطوانيت معوض» تستذكر تطويق «الباستيل»، تغوص في التأمل: «ياه كم أن التاريخ يشبه نفسه!»

07‏/12‏/2006

عاجـل [2]

عاجـل [2]
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الخميس ٧ كانون الأول2006
... انتصف يوم الأحد 3/ 12/ 2006. وزير الاتصالات السابق ألان طابوريان يظهر على تلفزيون المنار، يتضامن مع الثوار، وحديث عن عمليات مشتركة بين «الحزب» والطاشناق، نظيفة انتحارية في منطقة انتشار «يونيفيل» التركي.
شاحنة بيك ــ أب ميتسوبيشي تسير بسرعة فائقة، لا تنفجر بل تشقّ طريقها ناحية المرفأ، محمّلة بقنطرة ونصف معلّقة ببيت قرميد توسكاني، إلى عنبر مسرح «البيال»، فقد كادت في الليلة السابقة أن تهوي على الوالي (أنطوان كرباج) ومستشاره زيدون (إيلي شويري) في مسرحية «صحّ النوم».
على فكرة، إنّ السيّدة فيروز تُحيي الليلة آخر حفلة من ليالي بعلبك في مرفأ بيروت.
يظهر بطرس حرب داخل السرايا، داكناً كالعادة، متوجهاً الى مكتب السنيورة ويركّز في ردّه للصحافيين على التروّي، التريّث، التبصّر، التمعّن، والمجهول، و«البحث الأساس يجب أن يدور حول طاولة الحوار».
فهو بالفعل، ومنذ الصباح الباكر، يقصد السرايا، يدور فيها ثم يغادر ليعود مع مرافقيه بحثاً عن الطاولة.
إنهم لا يجدون الطاولة!«كانت هنا، من نقلها من هنا؟ أين مسؤولو الأثاث في هذه السرايا؟».
انتهى سباق العشرة كيلومترات في هذه الأثناء، أما عدّاؤو الاثنين والأربعين كيلو فمستمرون.
يقف عبد المنعم العريس في القرية الماراتونية المستحدثة داخل مرفأ بيروت، ما يسهّل هجرة القرية برمّتها إذا شاءت الأقدار. يبدأ توزيع الجوائز على الفائزين، فادي جريج 10 سنوات، أصغرهم، حلّ عاشراً، يسلّمه جائزة خاصة بالطفولة، البطل اللبناني العالمي ماكسيم شعيا.
بطل العالم في ماذا؟ اللجنة لم توضح. فالوطن في خطر، عالمي لماذا؟قولوا للجمهور لماذا لا تعرّف عنه غزالة اسبارطة؟ لمَ أشركوه في هذا النهار الفاجومي بدون تعريف... عيب!
الاشتباكات تتمدّد إلى زقاق البلاط، رهط من الفهود ما زال يطارد 4 عدّائين يُشتبه في أنهم من مفتعلي حادثة قصقص. أحد المنظّمين يعدو خلف الفهود وهو يصيح: «إن بينهما موزامبيقية لا موزامبيقي، وهي ايمارياس وزميلتها انجليزية فرانسيس غاي، ولا علاقة لهما بتيار المستقبل ولا بأهل بيروت الأصليين!
الفهود لا تردّ عادةً، وطبعاً ليس اليوم.
القائد سعد يصرّح فجأة لـ«المؤسسة الصبيانية للإرسال» فيدعو المندسّين من شبابه في شبابه للحذر منهم!كما يدعو المعارضين، محرومين، عونيين، وشيعة إلى اليقظة كي لا ينجح الطابور الخامس في المدرسة وإلى ضرورة وأد الفتنة، والبنات إذا لزم الأمر.
الله أكبر.
موكب مسلّح ترافقه قوى الأمن يشقّ مسرعاً صفوف المتسابقين حتى لا يقاطعهم.
يا للمصادفة: إنّه وزير الداخلية الأصيل حسن السبع يترجّل.
في ثوانٍ، يتسمّر الفهود ويؤدّون التحية، ما يؤدّي إلى غياب العدّائين المشبوهين عن النظر عبر طريق فرعية سلكه الكيني موسى كينبوي الذي عاد وحلّ أوّل.
يتبع غداً.

06‏/12‏/2006

عاجـل [1]

عاجـل [1]
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الأربعاء ٦ كانون الأول2006
الصباح باكر، إنه يوم أحد.
إنه 3-12-2006، يوم عطلة إذن تَفَرُّغ، إنه للمشاريع، إنّي لا أصدق، أريد حلاً.
إنهم يحتشدون، يحتشدون عائدين من خارج العاصمة ومنها إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح معهم طبعاً، فكريمته ليلى كانت الوزيرة الأولى في حكومة الرئيس لحود، من الصلح امتداداً حتى جادة شارل حلو الرئيسة حيث تُشاهَد عن بعد «غزالة إسبارطة» مي الخليل وهي لا تصدق مقلتيها الدامعتين للاحتشاد الماراتوني الحاصل رغم الاحتشاد الرافض الحاصل، الله أكبر.
خبر عن وصول الرسول عمرو موسى الذي يكره إسرائيل الى السراي «بوحشنة»، فالجو يقضي. ماذا في جعبته؟ الله أعلم.
لماذا الماراتون اليوم بالذات؟
إنه من أجل لبنان والخليل لن تتراجع وعدّاؤوها والمقعدون أقسموا على الركض، أمّا السنيورة فعلى القعود.
يتقدم العونيون من كذا نقطة واليوم بشكل أكبر، زاد الاحتشاد القادم الداعم الدائم.
المردة هنا، فضّلوا البقاء فـ«ماراتونهم» إلى الشمال وَعِرٌ شاق ولِمَ؟ فهم المنتصرون دون أن يركضوا و«حزب الله» هم الغالبون.
يتقدم بعض من «قوى الأمن الواقع» لحماية احترازية للضريح، ربما أطَلَ بعض المطلوبين من آذار لصلاة مباغتة عن راحة نفس الحريري.
الشهداء على وقفتهم كالكورس الذي لا يغني ولا مرة فقد تعلموا الصمت لسنين في جامعة الكسليك، الصمت والصوم.
صوت السيد حسن يدوّي فجأة في الأماكن المذكورة أعلاه وأدناه، لا يكاد يلفظ كلمتين حتى تهتز خيم المعتصمين ويطغى الصراخ والتصفيق على صوته المُكَبِّر المُكَبَّر، الله أكبر.
كأن الشمس أصبحت حارقة في برهة.
هناك، دينا حايك، قالوا لي إنها مطربة، الحايك تحتشد في العدّائين، يحتشد لها مطرب يُعرَف للذين يعرفونه على أنه أولاً: ناجي، ثانيا: شيّا. غَنَّيا، غَنَّيا ولم يُبْقيا شَيَّا!
قَرعٌ شديدٌ للأجراس يَخرق هواء الساحتين.
إنها حوالي الساعة الحادية عشرة، وقد بدأ قداس المعارضة في كاتدرائية مار جاورجيوس في الوسط، وحاشداً هو الآخر، انها أفكار الجنرال.
مجموعة من النساء المُحَجبات يحضرنَ القداس، عَوَّضْنَ عن غياب الراهبات الملحوظ اللواتي التزمن الأديرة في سبيل خلاص المجتمع المسيحي من هذه الدعوات، نزولاً عند طلب زوجات وأمهات الشهداء من بكركي.
الموضوع شائك، إنها الساعة الحادية عشرة.
بَحرٌ من أعلام الشيوعيين يُدَنِّسُ الطريق من صيدلية بسترس-شرارة المقاومة الوطنية اللبنانية، ويلوّث الصنائع نزولاً من شارع الجنرال سبيرز والعقيد بربر إلى وعلى الاحتشاد المركزي.
الرفيق الأعلى دعا الى معاقبة الحكومة لا استقالتها فقط!
كان لوناً أساسياً ناقصاً فاكتملت الآن!
الحكومة الاسرائيلية تجتمع على عجل. قلق شديد لوضع الآذاريين داخل الحكومة العالقة داخل السراي، على أمنها وعلى نفس يعقوب.
لكنه ما زال صامداً في الداخل. إن الرئيس السنيورة لا يفهم حتى اللحظة سبب كل هذا العنف والتظاهر، ما العمل؟
مع أنَّ الوزيرة الوَقَّادة النائلة (مائة نيلة) معه في الداخل ومع أن من هم في الخارج أفهموه مرارا،ً لكنه لا يشاهد التلفزيون فهو يبث من ريف دمشق. كما أنه لا يتقن الفارسية كي يقرأ الصحف.
دار العَدّاؤون محيط الساحتين.
أصبحوا على مشارف التحويطة باتجاه سن الفيل.
إشكال يبدو كبيراً أمام جامع الخاشقجي-كورنيش قصقص. فأثناء مرور احتشادٍ سَيَّار بالفانات، رُشِقَ بالحجارة وأصيب البعض. وأهالي بيروت الأصليون، شباب تيار المستقبل، مُتسَمِّرون في المكان يحمل بعضهم العصي ولا دخل لهم بما حصل، وقد نفوا ذلك فوراً (دائماً).
فوج من الفهود يهرول الى المكان رغم عدم اشتراكه بالماراتون، ويقابل بالتصفيق الحاد رغم أن الماراتون لم ينتهِ.
أعيِرَة نارية تُسمع، المواطنون الأصليون يركضون هرباً من المستقبل باتجاه الماضي.
حاملو العصي رموها للتمويه أو اندسوا بين المتسابقين لجهة المتحف، وراحوا يستفسرون من بعض المقعدين المشتركين اذا كان الماراتون سَيَمُر في الضاحية.
الكيني إريك كيبتون في المقدمة حتى الآن يليه الأثيوبي إبراهام ييلما (إنشالله).
طلق ناري يصيب أحمد علي محمود ويقتله في أرض جلول.
يخرج عمرو موسى ليبلغنا بأنَّه يدعم الرئيس السنيورة، لكنه يقف على مسافة واحدة من الجميع، وهذا ما يزعج السنيورة أساساً في شخصية عمرو موسى أو أي عمر كان يتصرف مثله.
يتبع غداً

04‏/12‏/2006

الجــائزة

الجــائزة
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الاثنين ٤ كانون الأول2006
أما وقد شارفنا على ولوج (*) السنة 2007، فإننا نرى من المناسب أن نتشارك في تظهير بعض المفردات الكبيرة جداً والمتداولة على الكرة الأرضية اليوم، وفي ضبطها:
1ــــــ ما هي الديموقراطية؟2ــــــ ما هي الديموقراطية التوافقية ( لبنان)؟3ــــــ ما معنى الليبرالية اليوم؟4ــــــ من هي “قوات الجحيم”؟5ــــــ ما هي ومن تخص الموضوعية؟6ــــــ من هو أشهر طابور خامس في لبنان (بيروت)؟7ــــــ ما هو الاصطفاف؟8ــــــ كيف يكون اليسار الديموقراطي؟9ــــــ ما هي الجائزة؟
بانتظار أفكاركم والأجوبة، سنتناول هذه المواضيع ابتداءً من يوم غد. إلى اللقاء.
(*) الولوج: الدخول بشكل دقيق ومريح ودون تدافع.

01‏/12‏/2006

ما العمل ؟

ما العمل ؟
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الجمعة ١ كانون الأول2006
حان يوم العمل, فنحن لسنا في الجريدة.
الرجاء الاتصال للقراءة لاحقاً.

30‏/11‏/2006

إلى الأمــام

إلى الأمــام
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الخميس ٣٠ تشرين الثاني 2006
مخايل: عندما يشمل العفو العام مجرماً معيّناً، هل يكون العفو عن كل ما فعله في الماضي؟ وعن مهما فظيعاً كان؟
عيسى: أجل يا مخايل، أعرف شعورك، إنها ذروة ٌ غير عادلة في التسامح.
مخايل: إنها ذروةٌ في الأسف أيضاً.
عيسى: أدريمخايل: وليس هذا عدلاً
عيسى: طبعاً
مخايل: وهل سيشمل هذا العفو, كونه عامّاً، الأعمال التي بدأ يرتكبها وسيرتكبها في المستقبل؟
عيسى: إن حلفه مع “المستقبل” حاليّ، بل آني وقد شمله العفو، ولكن لا أظن أن هذا الشمول سيغطي أفعاله في المستقبل.
على كُلٍّ دعني أسأل.

28‏/11‏/2006

تأهّب!

تأهّب!
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الثلاثاء ٢٨ تشرين الثاني 2006
صراحة، دعني أُصرِّح بما أشعر به بعد الذي حصل في الاسبوع الفائت.
إنَّ ما حدث كبير جدا لا بل مهيب، لا ادري ما اذا كانت قيادات 14 آذار تشعر بحجمه الفعلي، لا أظن، ربما هم اعتادوا الفجائع لكن ليس نحن.
صراحة يجب ان يتوصل قادة ثورة الأرز إلى طريقة ما يجمعون بها جمهورا لهم في احدى ساحات الانتفاض و«الثََّوَرَان»، مقبولا من جانبهم عدديا، غاضبا بشكل لا بأس به، مُشكَّلاً طائفيا بمن حضر، وذلك دون الإضطرار الى اغتيال الشيخ بيار امين الجميل.يجب حل هذه القصة قدر الامكان، فعلاً.
إن جمع جمهورهم مكلف جداً، حتى لو انهم ليسوا هم من يتكلفون، يجب إيجاد طرق أخرى لجمع المناصرين والثوار. هل تبعثرت على شعورهم أحبال الافكار؟
هل نضب فجأة خيال السفير فيلتمان؟ هل انقرضت هوليود.. أعوذ بالله!.
أرجو أن يكونوا قد صوّروا هذا الحشد من كل الاتجاهات، علّهم في المرة المقبلة يعرضون الفيلم فقط دون الحاجة الى مَقتَل الجميل الأب لا سمح الله.
فبمعزل عن ان “العملية” مكلفة، ما عادت ناجحة كالتي قبلها. وهذا واضح من الاقبال الجماهيري الذي خف الى اقل من الثلث.
ان ثورة الارز بحلتها اليوم اصبحت تؤثر سلبا على حركة السياح العرب والاجانب، بالتالي على خطة باريس - 11 ، اين اصبحنا؟11 ؟14 عفوا! باريس 14، للسنيورة وساعده الأيسر المكسور المذعور الأزعور.
لعنة الله والجيش على المجرمين الطليقين. تأهب!.


***
- مالك يا رجل وما لسعادة النائبة نائلة معوض؟ لماذا هذا التركيز عليها في النقد؟ موقفك منها أُحسّه ذاتياً بل شخصياً غير موضوعي على الإطلاق.
- لا والقرآن، كل ما قلته عنها جاء بمنتهى التَجرّد وفائق الموضوعية. وتقبلوا الإحترام!
- أين الموضوعية في أن تقول: كوندوليسا معوض مثلا؟
- يا أخي أنا لا أستطيع أن «أَتَعوَّض» عليها. إنّ كل ما تفعله بي وبالجيران، لا ولن يُعوَّض. فلا يلفُظَنَّ أحدٌ منكم كلمة: مُعوَّض! لا شيء مُعَوَّض غيرها.
- وماذا عن نَجلها؟
- إنَّ الله وحده يُعَوِّض. دعني وشأني، لستُ مُتَعوَّضاً على هذه الأشياء ولن أتعوَّض. نجلها؟!

***
مؤكدٌ طبعاً أن يكون من الأصعب على إنسان يعيش بجواز سفر مزوّر منذ زمن، أن يراجع بفاتورة للكهرباء يعتقد أنَّ كل إجحاف العالم قد أُسقِط عليه بها، وهي مغلوطة بلا شك. طبعاً، ولكن مهما كانت مغلوطة فهي لا تقاس بالغلط المدهش الذي ينبع من إقامته بيننا. فوَجَبَ عليه تسديدها، الفاتورة وليس الإقامة، حالياً.

27‏/11‏/2006

في مبنى الكونكورد

في مبنى الكونكورد
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الاثنين ٢٧ تشرين الثاني 2006
لمرّةٍ واحدة، أخيرة، ونهائية إن شاءلله، ومنعاً للإبهام أو الالتباس وعهدا للقراء بالمصداقية والمهنية الصحفية واعترافاً منّا للأكثرية النيابية يا بابا، هل سمعت يوماً بالمجلس النيابي؟ أهه! أخبرك لاحقاً.
وأمانةً للتاريخ نُقِرّ لكم بالتالي:
إنَّ جريدة «الأخبار» فعلاً سورية - إيرانية ولكن إنصافاً للضمير وَجَبَ الإقرار بكل تَشَعُّب انتماءاتها.
أولاً، إنَّ الزميل رئيس التحرير جوزف سماحة علمانيّ وجوديّ وكافر. فهو من نخبة ضباط الـ «KGB» السوفياتي السابق، باحث استراتيجي متخصص بموقعة مرجعيون، ويتعامل حالياً مع الـ «سكوتلانديارد» البريطاني-فرع الأردن، بالتالي إسرائيل ربّما؟
أمّا ابراهيم الأمين، أمَدَّ الله ظِلَّه، فقد أصبح مكشوفاً كونه من أفتى مُلهِمي «حزب الله» التروتسكيين، وهو على صلات مشبوهة بجهاز أمن «القوات اللبنانية» المُنحَل حتى الآن، ويَذبَح بظِفرِه من بعد جسر المدفون، وهذا ما يزعج تيّار رفسنجاني.
أمّا سكرتير التحرير حتى النصر، خالد صاغية، فمن ثوّار التَاميل وقد اعتقل في عهد أنديرا غاندي، فأضربَ عن الطعام حتى مات... وقتها.
وزيادة في المزيج اللامتجانس، فأنسي الحاج، مستشار مجلس التحرير والإنماء والمقاطعة، الشيشاني بإمتياز، على خلاف استراتيجي اليوم مع «مجاهدي خلق» فضلاً عن «قوات بدر» والنثر الحديث!
وماذا عن جورج شاهين؟ جورج، الكتائبي المتمرّد على ميوعة الحزب الحالية، جورج، أحد اوائل المؤسسين لـ«حركة فرنكو الفتاة» المتعاطفة تكتيكياً مع ثوّار «الباسك».
أمّا الزميل جان عزيز قوّاتي «القرنة» السابق، فيا ويلاه! إنّه يتقن الفارسية والشيفرة الايرانية كما هو مندوب التيّار العوني لدى فضيلة رئيس مجلس الإدارة «الشيخ أوري الأمين» منسق الإتصالات في المقاومة الاسلامية.
وما أدراك ما ومن هو بيار أبي صعب؟ إنَّه مسؤول الثقافة الإيرانية والسجّاد والكافيار والزعفران. وقد أَشهَرَ فارسيته بملء فمه وقَلَمِه في الصفحة 12- عدد 6 أيلول-21 من «الأخبار»، خاتماً مقالَه ببدعة: «أنا إيراني إِلَك معي شي؟».
ونقولا ناصيف يا أخي؟ العميل المزدوج المُندَسّ في قوى 14 آذار منه حتى أول نيسان، مراسل الـ«طهران تايمز» من كورنيش المزرعة (اللبناني)،
والدكتور عمر نشابة المتخصص القضائي في عالم الجريمة، خريج الولايات المتحدة الذي نُبِذَ من الـ «FBI» بعد إعتناقه الإسلام وإلقائه كلمة في مهرجانٍ للسود (هو المسلم الأبيض) نظَّمه القائد الروحي «فَرقَان» النَجّادي حتى الموت لأميركا وإسرائيل.
ماذا بعد؟
أمّا أنا، ويا ربّي نَجِّنا من كلمة «أنا»، فلستُ أدري ولا يمكن لي أن أُصَنِّفَ نفسي بنفسي لكنني أعترف أنني في محور الشر، هكذا قالوا لي في الجريدة، كون مركزها الرئيس في «السادس» من المحور نفسه. وأقسم بأنني لم أكن أعرف بوجود كل هذه النماذج تعمل في الطابق. لا بَل فوجئت بالمَلّا إميل منعم، المدير الفني، مجتمعاً بوفدٍ من الـ«خمير الحمر» يفتح لي باب مكتبه في أول زيارة لي إلى الجريدة.
صراحةً، هذه هي جريدة «الأخبار» على حقيقتها.
كُلّما أنَّ من يَصُفّ لي هذه المقالة مُسَجَّلٌ (للتمويه) في جامعة الروح القدس-الكسليك وهو من بيت «نصرالله»، يا ناس!

20‏/11‏/2006

حافظوا على نظافة مدينتكم


حافظوا على نظافة مدينتكم


زياد الرحباني

جريدة الأخبار الإثنين20 تشرين الثاني 2006


إستغربت بداية الأسبوع الفائت وما زلت مستغرباً حتى اليوم، إستغراب القائد الأعلى لقوى 14 آذار الحُرَّة السيّدة المستقلَّة، اللواء الوليد بن جنبلاط بيك لكلمة «حكومة نظيفة»، والتي قالها سماحة السيد حسن نصرالله حينها في تصريح له، وقد نَطَقَ اللواء جنبلاط في معرض ردِّه على السيد حسن بما معناه «...ماذا يقصد «السيد» بحكومة نظيفة؟ ما المقصود؟ نحن ماذا إذن؟».
سيد وليد، إنَّ الإمعان في الاستبساط والاستعباط عفواً، والاستغشام والاستفهام عفواً أيضاً، فيه بالإضافة إلى أربعتها، شيءٌ من الإحراج وهو الأخطر.
إنَّ اللياقة يا سيد وليد هي فَن قول الأشياء النافرة بشكل أقلّ نفوراً، والتلميح بَدل التجريح. والدبلوماسية هي كلمة «لا» ملفوفة بكلمة «نعم» أكبر حجماً.
أمّا الرَدُّ عليكم تحت أرز آذار وفي خيام الحُرِّية أثناء تطواف الشباب بين الـ «ciné» والضريح فأمرٌ يلزمه الكثير الكثيف من ضبط الغرائز والأعصاب ، تلزمه بالضبط والتحديد، اللياقة والكياسة والتلميح والدبلوماسية والدكتور «هوديني» رُبَّما.
فأنا أحسُدُ السيِّد حسن على متانة سيطرته على ردود الفعل عنده. فهو رغم أنَّكم تكرهون، بالاضافة الى كل من تكرهون، «الثياب» على ما يبدو، وتحبون أن تخرجوا الناس منها، ما زال «السيد» شديد الهدوء؟
ماذا تريد أن يقول لك أوضح من «سنأتي بحكومة نظيفة»؟
أظُنك فهمت ماذا قال وعدت وسألت: «ما المقصود بنظيفة؟»
أنا مُضطرٌ هنا أن أسألك: ما المقصود يا سيد وليد بـ «ما المقصود»؟
هل تريد أن تُحرجَه وتحرجنا لنوضِّح أكثر؟ علماً بإنَّ كل ما هو غير نظيف، له رائحة تزداد ولون يتبدّل تدريجياً.
هل تريد ان تورطنا بتعليم اللغة العربية ومعجم الأضداد؟
هل تريدنا أن نبدأ بشتم الفنادق على أنواعها بدءاً بالبريستول؟ ماذا تعني هذه «المَقلَسَة»؟ (ملاحظة: لا ترجمة لهذه الكلمة لا في النحوية ولا في اللغات الأجنبية).
أنا أعرف ما تريد، لكن اعصابي في هذه الأيام أقل متانة من أعصاب السيد حسن.
سيد وليد، إسمعني ولا تخبر احداً، ودع الكلام بيننا:
إن عكس كلمة نظيفة هو «وسخة»! أي «قذرة» بالجعفرية الممتازة!!
نعم، هذا ما كان المقصود وما زال. وأنت تعلم ونحن أيضاً، فإنَّ المقصود بـ«ما المقصود» هو هذا الوسخ أو القذارة.
إذا كان الجواب بهذا الشكل أوضح عساه خير أيضاً، واعذرنا على التوضيح، لقد دفعتنا إليه من على شاشات التلفزة وها نحن نَرُدّ في الصحف وجمهورها أقل بكثير، فبَلِّغ من لا يقرأون من أنصارِكَ والقوى والقوات أدامكم الله لنا ذخراً.
ملاحظة أخيرة: إنَّ الحكومة الحالية هِيَ وَسِخَة. وليس السيد حسن من يفتري عليها. إنّه يقرأ ما هو مكتوب على الجبين. فهو يُحِب المطالعة ونحن في الحزب الشيوعي أيضاً، كما اننا في الخدمة سيد وليد. ونؤمنها للمنازل حتى النائية المبغضة منها.

17‏/11‏/2006

يا مريم يا أم النور

يا مريم يا أم النور
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الجمعة ١٧ تشرين الثاني٢٠٠٦
في بلدنا اليوم فريقان أساسيان:
1- الفريق المُصنَّف: توتاليتارياً، ديكتاتورياً، خشبياً، مأجوراً للخارج، قامعاً للحرية ومُعادياً للديمقراطية.
2- فريقٌ آخر وهو الأكثرية بدليل أنَّهُ هو يؤكد ذلك يومياً، هو المُصنَّف: لبنانياً سيادياً، حراً، مستقلاً، مؤمناً بحرية التعبير وحاملاً راية الديمقراطية. كما أنَّه يدعونا إليها بعد أن نعتنا، ديمقراطيا،ً بالنعوت الواردة أعلاه.
فقررتُ هذا المساء كوني من الفريق الأول أن أقبل الدعوة لأستفيد منه من بعض حرية التعبير و من شيءٍ من الديمقراطية، علّني أعرف سبيلي الذي ضللت.
تحية وبعد
أولاً، أنا أرثوذكسيٌ لكنّي أحترم كل الإحترام مقام ومرجعية بكركي وأحمد ربّي أنها موجودة.
ثانيا، صلاة الله وسلامه على سيدتنا مريم العذراء، مريمُ البكر، سلامٌ على روحها الطيبة.
ثالثا، أنا متضامن مع الزميلة العزيزة مي شدياق في مُصابها وأحمد الله على شفائها.
رابعاً، سلامٌ من القلب للشيخ العصري المُنفتح بيار الضاهر وإلى الأمام مهما حَصل.
أينَ مريم العذراء في قناة الـ «lbc» ؟
انا أفقدُ سيّدتنا مريم على شاشتها، رُغمَ ظهور كل الرموز الدينية المسيحية الأخرى.
يعني إذا اعتبرنا رمزياً أنَّ بكركي هي «المَطهَر» ومحطة الـ «lbc» هي أورشليم القدس (بما تُمثله للمسيحيين خصوصاً)، تكون حينها نشرة الأخبار المفصّلة: فصلا من رسالة القديس يوحنا أخ يعقوب، أو بن حلفا، أو القديس بطرس أو «متّى»، أو حفلاً لجميع القدّيسين إذا اقتضت الظروف السياسية.
وإذا كان رمزياً الدكتور جعجع سيّدنا المسيح (يا رب ارحم) وأقرب تلاميذه اليه بطرس هو الأخ جورج عدوان وتلميذه سمعان هو جو سركيس الصابر «أُوصادي وبَحِّبو» و «متّى» هو إيلي كيروز أمّا «توما» ففارس سعيد لأنهُ لا يَخنَع ولا يَقنَع بسهولة فهو يُدَقِّق ويغوص حتى في أقوال سيِّدنا المسيح، ويهوّذا الإسخريوطي توفيق الهندي الذي سُلبَت نِعَمُه وأُبعد و«لوقا» أنطوان زهرة حيث كل شيء «مدفون»، وقد دَرَجَ على التَنكُّر في عيد «البربارة» المتواصل وعلى توزيع كاسات المغلي المُصادَر من العابرين للعابرين. والقدّيس إندراوس الذي إنتدَبَ إبنته ندى للبّث الخارجي رغماً عنها، أمّا الرُسل الباقون المغمورون أمثال فيليبُس، برطلمايوس، تداوس، أي دوللي غانم، وليد عبّود وعماد موسى، كلّهم موجودون ولكن العذراء، أينَ مريم العذراء؟
فمريم المجدلية، رئيسة وفد القدّيس شربل الى الفاتيكان والـ «cnn» الزميلة مي فيلتمان شدياق أمّا بيلاطوس البنطي فمارسيل غانم، لأنّه يزعج سيّدنا الـ«دكتور» منذ فترة.
وإذا كان رئيس وفد المجوس إلى مغارة اليرزة هو المطران يوسف البيسري، أمّا الشيطان الذي ظَهرَ على سيّدنا المسيح عندما اختلى في الصحراء فـ : الأب سليم عبو، من يكون «الروح القدس» يا ترى؟ إنّه المطران بشارة الراعي.
فأين مريم العذراء على هذه الشاشة؟ لماذا لا تَظهر؟ هل لأنّها مريم البكر؟
هل لأنَّ القناة، قناة فكر وكفر فقط ولا مكان لبكرٍ فيها؟
هل ستحاسب يوماً عن «بِكرَةِ» أبيها... وهل يوسف أبوها؟
هل إذا قبلنا كمسيحيين بمبدأ «الحَبَل بلا دَنَس»، مرغمون نحن على قبول الهَبل بلا دَنَس أيضاً، هل توقف ربُّنا الآب عن فعل العجائب؟ هل كفَّ عن مطاردة تجّار الهيكل؟
يا مريم يا أم النور صلّي لأجلنا.
ملاحظة: إنَّ شخصيات هذا المقال لا تمت الى الواقع بصلة للأسف

13‏/11‏/2006

الجدل لا يُسلََّم

الجدل لا يُسلََّم
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الاثنين ١٣ تشرين الثاني٢٠٠٦
ملاحظة: يُقرأ الابتهال المنشور في صفحة التتمات قبل هذه الصفحة وبعدها (عند الضرورة)
لو سَلَّمنا جَدَلاً، والجَدل عادةً لا يُسلَّم لكننا سَلَّمناهُ حتى نُنهيه، فالناس داخَت بِنا وبه لأنّه عقيماً صار.
لكن إفرض أنَّنا وعلى مَضض، سلَّمناه، فكيف نفعل؟
ولمن نسلمه؟
أَنُسَلِّمه لفارس سعيد وكميل زيادة والبون؟
هل يُعقَل؟ نحن الآتينَ مَشياً على الأقدام من ريف دمشق؟
فَضَلنا أن نُسَلِّمهُ لسفير فرنسي، بريطاني، سعودي، سلَّمناه وهو بعد السلاح، أغلى ما عندنا لكنّنا زهقنا أنفسنا تُعيدُ الحِجَجَ نفسها، دَهراً، لِخَصمٍ نراهُ ببساطة: لا يَفهم.
لِخَصمٍ مُدَّعٍ وعَاق، إذا تَعلَّم يوماً، فَفي كليّة “العُقوق”، وسلَّمنا نهايةً أمرنا لِله العليّ العظيم.
سَلَّمنا بأنَّ “حزب الله” إلتزمَ تنفيذ المُخَطَّط السوري-الايراني في لبنان ففَجَّرَ الأوضاع في 12 تموز للتخفيف من الضغط الأميركي على مشروع إيران النووي.
في المقابل إلتزمَ ثُوّار آذار الجُدُد تنفيذ المشروع الأميركي الإسرائيلي بضرب آخر الجبهات المقاومة والممانعة له في لبنان، فلسطين والعراق.
والله سَلَّمنا وأعتَبِر أنّنا فعلنا، بِرَبِّكَ قُل معي ماذا في الوقائع؟
أثبت “حزب الله”، فعلاً وليسَ جدلاً أنه جديرٌ بالثقة فهو، في أضعف الإيمان، وَرَّطَ إسرائيل وأميركا بضرب لبنان وبالأخطاء المميتة الناجمة عن ذلك كما استطاع صَدَّها لا بل ردعها حتى بشهادته.
أمّا ثوار آذار فماذا فعلوا بالالتزام، هل منعوا المقاومة؟
لا.
هل أضعفوا “حزب الله”؟
لا.
هل وُضِعَ حَجَرٌ ما على طريق الشرق الأوسط الجديد؟
لا.
هل استلموا سِلاحَهُ؟
لا، بل زادوه قوةً ووهجاً.
إذن أثبتَ ثُـوّار آذار أنَّهم ليسوا جديرين بالثقة.
في النتائج:
1ـ نحن أمام مجموعة متعهدين فاشلين لا يُتَّكل عليهم .
2 ـ نحن أمام متعهد ناجح اسمه حسن نصرالله ووَعدهُ صادق... تعاملوا معه واعتمدوه مستقبلاً.
***
إبتهال
أعوذُ بالله مِنَ اْلشَيطان الرَجيمْ
أعوذُ بالله مِنَ المَشروعِ العَقيمْ
أعوذُ بالله مِنَ النُوّابِ الحَريمْ
أعوذُ بالله لِشَعوذاتِ الحَكيمْ
لإشتراكييٍّ مِنَ الإقطاعِ العَديمْ
لوغدٍ يُصَرِّحُ أنَّ شعباً غَشيمْ
بِسْمِ الله الرَحمن الرَحيمْ
أعوذُ بالله مِنِ اْستعمارٍ قَديمْ
بِرَبّي لَن يُبقي من الإسلامِ سَليمْ
دَعوني من غِشْمٍ ما يَوماً كُنتُ غَشيمْ
حَسبِي الأمينُ العام مِنَ السيّادِ فَهيمْ
الداعية الرحباني

أطلب نفسك...


أطلب نفسك...

زياد الرحباني

جريدة الأخبار الاثنين ١٣ تشرين الثاني٢٠٠٦

خرجت مرّةً من البيت، وكانت مميزة على ما أذكر، فقد قصدت مبنى أول ما يتبادر الى الذهن أنه مميّز عن حق، وسلكت الشارع الرئيسي المميّز، وكنت برفقة صديقٍ أقلّني بسيارته وهو جِد مميّز عن كل معارفي الآخرين، وتحادثنا في مواضيع متنوعة ومميّزة، ومررنا في حديثنا عن برنامج السهرة المميّز على اسم المطربة المميّزة حقاً التي دُعيت لافتتاح هذا المؤتمر المميّز لدرجةٍ لم أعد صراحةً قادراً على «التمييز»! وكيف يكون التمييز بين كل ما هو مميّز وعلى طول!؟ فما هو الطبيعي العادي؟ نسيت.

هل من مجال يا إخوتي أن نلتقي أو نتلفّظ أو نأتي على أو ننحو الى شيءٍ ما غير مميّز؟

وذلك فقط من أجل الدول الأخرى في العالم وقد أصبح معظمها يشعر بعقدٍ هائلة من النقص والغيرة تجاهنا كشعب من الأقوياء، كلهم.

شعبٍ من الأساتذة، من المُعلّمين لا شغيل واحداً بينهم.

نحن كظاهرة فعلاً مميّزة لا مكان لها في التاريخ المعاصر وقد تنقرض قبل التاريخ المقبل خاصةً أنها، على وفرة ما يميّزها، يبقى عندها في الوقت نفسه مشكلة مميّزة هي أنَّ: الكمية محدودة!


***

إذا طلبك أحدهم على الهاتف وكان آخر من قبله قد بدأ بطلب رقمك سيسمع الأول في هاتفه الزمّور الذي يدل على أنّ خطك مشغول، وهو في الواقع، ليس بمشغول على الإطلاق، لا أنت ولا هو ولا شيء سوى أنّه يرن بشكل متواصل في الشقة وأنت تتشاءم و«تَستَفول»، فأنت إن كنت مشغولاً بشيء، فمشغولٌ حصراً بكيفية ألاّ يجدك أحد، «يا نسرَ الزاروب» أنت.

لذا تستطيع إن كنت تريد ألاّ يطلبك أحد، خاصةً دون معنى أو ضرورة، أن تطلب نفسك من هاتفك دون أن تجيب بالتأكيد.

تستطيع أن تجيب إن أردت، ففي الحالتين ستسمع الزمّور-الرمز بأنك وإياه مشغولان، أمّا وفي حال أجبت إمعاناً في إشغال الخط فبِم ستتكلم مع نفسك؟

تستطيع أن تمارس ذلك من دون هاتف ولا مصروف لكن الباقين وقتها سـ«يكمشونك»، سيطبقون عليك يا «نسر الزاروب»، وهذا ما لا تغواه دوماً، خاصةً آخر أيام انهيار الأمبراطورية الرومانية الفينيقية على تخوم مدينة مرجعيون وفرار ملكة بترا.

ضع هاتفك في وضعية «معاودة الاتصال آلياً»، أطلب نفسك ولا تجب.

10‏/11‏/2006

هكذا يكون العمل!

هكذا يكون العمل!
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الجمعة ١٠ تشرين الثاني٢٠٠٦
تستطيع أن تتفهّم يابانياً أو ماليزياً يطالب بتخفيض ساعات العمل، تستطيع أن تستوعب كورياً أو تايوانياً يصاب بالإرهاق، تستطيع أن توافق ألمانياً أو حتى فرنسياً يتظاهر ويضرب لعدم المسّ بتعويض نهاية الخدمة، لكن هلاّ فسّرت لي كيف ومنذ متى ودون أن يدري أحد، أصبح اللبنانيّ يرفض أن يعمل نهار السبت؟
إلامَ استند حتى ضاقت به الدنيا و«عزّت» بعد ظهر يوم الجمعة ومنذ ردهةٍ من الزمن انتقل هذا الضيق إلى عصر يوم الخميس.
إن من يسمعنا نصرّ على عدم العمل يوم السبت يظن للوهلة الأولى أن مدينة «تورينو» و«معامل الفيات ــ فيراري» تقع في شرق بيروت على أطراف المدينة الصناعية وتصوّت لميشال المر، إن من يسمعنا يظن للوهلة الثانية أن معدّل النمو عندنا يهدّد اقتصاديات العالم العربي وأولها الاقتصاد السوري والصناعة المصرية.
إن منطقة الشويفات ــ الحدث هي بالفعل أكثر انتاجية من «ليون» و«تولوز» مجتمعتين، لذا فإن بيروت الإدارية مخصصة بأعلى تغذية كهربائية وهذا بديهي فهي أهمّ من «يوكوهاما» في اليابان والأصحّ أنها «أوزاكا» الشرق، تعرفها من عدد السيارات المتوقفة أينما كان فيها، فهي موقف كبير بسبب ضغط العمل.
هل تعرف يا مخايل ماذا يعني أن تمرّ حرب تموز الأسطورية دون تأثير يذكر على الليرة اللبنانية؟
هذا يعني أننا لم نكن نعمل.
صحيح أن رياض سلامة شخصية اقتصادية عالمية وقد كُرّمت بجائزة ولكن هذا جزء يسير من «السرّ»...نحن «السرّ»!
نحن العجيبة!
كيف تسمح لنفسك أن تحكي عن نسبةٍ ما للعاطلين عن العمل، في الوقت الذي نادراً ما تجد أحداً في العمل أثناء العمل؟
نحن عاطلون بالعمل وبدونه ولهذا سببٌ وليس اعتباطياً.
فنحن أولاً: شعب كريم، يحبّ الحياة، مضياف و«عيّيش»،
وثانياً: صاحب نكتة. ففي أي وقت تريده أن يعمل؟ وإذا نوى وشمّر فماذا يعمل؟
أنظر إلى الحروب الطائفية تشلّه، أنظر إلى حروب الآخرين على أرضه تنهكه، أنظر كيف استباحه الفرس والعثمانيون، أنظر إلى هولاكو كيف أحرق مكتبة بغداد، أنظر ما فعل التنّوخيون بالساحل وبالحمضيات. وإسرائيل؟ هل نسيت إسرائيل الغاشمة وغشمها؟ ونواياها التوسعيّة في الليطاني والوزّاني وفيليب حبيب العميل والفلسطينيون يا مخايل؟ سلاحهم، مخيماتهم، واتفاق القاهرة المشؤوم، وثورة الـ58 وإنزال المارينز على شواطئنا و«نيوجيرسي» تدكّ حقول ثوارنا الاشتراكيين و«مناحلهم» في قضاء عاليه والشوف واتفاقية «سايكس بيكو» وما بالك بسوريا الشريرة بالفطرة سبحان الله، تُجهز عليهم، بعد الأميركيين، وتزحف إلى العاصمة فتشرّد عمّالها وتفقرهم، هُمُ الكادحون الأشاوس تاريخياً.
نعم (نَفَسْ) نحن نحتاج لأن نعمل لأقصرِ وقتٍ ممكن أولاً لقاء أعلى راتب ممكن ثانياً، ولمَ لا، فنحن نخبة العالم العربي وأنطاكيا وسائر المشرق وبدون مبالغة.
يتكلمون عن النمور الآسيوية، طبعاً، لأن الإعلام العالمي، وهو سلاح العصر الفتّاك، مأجور، والتعتيم «ضاربٌ» علينا: إنها الصهيونية العالمية.وعلى سيرة الصهيونية، احْمُدْ رَبّكَ يا مخايل فالديموقراطية في إسرائيل ليست توافقية وعطلتهم الرئيسة محصورة بيوم السبت.
وإلا لكنّا سنُضطر في أول عطلة إسرائيلية بيوم الغفران، مثلاً، أن نعطّل مع مزارع شبعا فهي لبنانية وليست سورية. ونعطّل أيضاً لذكرى «المحرقة» مع الوزاني والغجر.
ولو عاد يوماً واتّهم الدكتور و. عيدو بالوكالة عن الدكتور ش. رزق الدكتور أ. فتفت ألا تستحق مرجعيون أن تعيّد بيوم الشاي العالمي؟ وخاصة أننا منذ التسعينيات رحنا نُعطّل، زيادةً في الإنتاجية، للقديس العاشق «فالنتين»، ولعيد الأب وبعده الجدّ ومن ثم العائلة، وهنالك من يطالب بعيد الجلاء السوري للعام المقبل فكيف لا يكون شرعاً وقتها عيدٌ لنصر تموز؟
يغادر المسلم عمله عند الساعة الحادية عشرة نهار الجمعة ليصلّي فيحزم المسيحي نفسه تضامناً عائداً إلى البيت للتوازن أولاً ولتعويض النقص الوطني في الإنتاجية ثانياً.
هكذا يكون العمل!!!