09‏/12‏/2006

عاجـل [4] تابع

عاجـل [4] تابع
زياد الرحباني
جريدة الأخبارالسبت ٩ كانون الأول2006
أصبح الجوّ على كل الطرقات المؤدّية الى بيروت ماراتونياً، فقد حان دور سباق السيارات. لا الاتجاه محدّد ولا نقطة الانطلاق ولا الوصول.
لا وصول الى بيروت بالمرّة!
جمعية «فرح» المشاركة في السباق، هي جمعية تسعى الى إسعاد الأطفال حتى لو، وفي هذا النهار، بلع حوت متوسطي القرية الماراتونية بغزالتها وباقي الظبيان.
شابّات ذوات نخوة نادرة للإسعاد الطفولي في الحروب، لكن ما إن رمقن وهنّ عاديات، نقطة الوصول حتى هُرعن مهرولات، ونسين الأطفال وعاد الإسعاد منهم اليهنّ، فطِرنَ! وما كان من شبّان الجمعية الا أن حذوا حذوهنّ طبعاً، في سبيل الوصول معا،ً جمعيةً واحدةً للطفولة تماماً كما هي حال الشعب اللبناني منذ سنين.
طفلٌ متأخرٌ عن نقطة الوصول، خاصةً وقد فقد رعاية الجمعية في هذه اللحظات، استفاد وانحرف عن خطّ السباق.
طفلٌ يكره الركض أساساً ويكره المدرسة ويكره جمعية «فرح».
طفلٌ سمينٌ كثيراً ويفضّل أن يفرح وحده، كثيراً. دخل ساحة الشهداء فبُهر بالأناشيد وراح يشدّ المحتشدين بملابسهم ويسأل كيف وأين يمكنه أن يجد الـ «ميري ــ كريم».
إنّه الأحد!! الساعة تميل الى الثالثة، عاد التشنّج على حين غرّة الى قصقص.
قيادة الجيش تقرر إدخال المغاوير فترسل فوجاً على الأقلّ من أفواج التدخّل الخاصة.
يبدو أن الحسم واجب ضاغط، والا فالفلتان. والمغاوير لا يطيقون الفلتان، خاصة اذا جاء من غيرهم.
وصلوا الى المكان من نقاط عديدة، صوت يزعق، لا نسمع ما قال، يشرعون برمي القنابل المسيلة لتفريق «المتعايشين على هذا المحور من بيروت».
وكعجائب الله الآسرة، تتدبّر السيارات العالقة في ازدحامها على كلّ الطرقات المؤدية الى البربير، تتدبّر أمرها ويتجلّى السير بل يصبح سريعاً من دون إشارات ضوئية أو بوليس.
لا إله إلا الله أكبر. هكذا تكون الدول.
الساعة تُشير الى الرابعة، موكب سيارات متراصّة ومسرعة مليئة بـ «الدبّيكة والردّيدة» يعبر طريق المرفأ، سوق الأخشاب سابقاً، (أين الأخشاب!) ليخترق حواجز مجمّع «البيال»، بنيّة أن يُحاصَروا فيه لا خارجه، وذلك كي يُحيوا الليلة الأخيرة من مسرحية «صحّ النوم».
فيروز، هي، سبقتهم الى الهنغار وهي منعزلة في الكواليس تراجع إنشاداً، مطلع دبكة لا على «البيال» ولا على الخاطر! يقول: «ويغلى على سنين الغَلا محبوبي» وتعيد.
يخرج السنيورة، يطلب أن يصلوه بالفتفت فوراً ويعود الى الغرفة.
الفتفت على الخطّ: «سآتي طبعاً لكن ليس الآن، فأنا مستهدف، ودمّي مهدور».
فيُجنّ السنيورة: «دمّك مهدور؟ ولِيش أنا إيش؟» ويُقفل الخطّ بصخب، يمدّ يده ويُرخي ربطة العنق.
كان جواب الفتفت قاضياً. لا يعرف الرئيس كم أن أذنيه حمراوان، الا عند سماعه أزيز صوت الملكة معوّض من على باب غرفته مواسيةً: «فؤاد، أذناك شديدتا الاحمرار، استلقِ بعض الشيء، نحن هنا،
الوضع ممسوك، المحتشدون لا يتجاوزون الثمانين ألفاً وكل ما تراه، خدعة تلفزيونية، المعارضة وصلت الى الطريق المسدود».
يهبّ السنيورة من صيدا الى بيروت: «أيّا مسدود؟ إحنا اللي سادّين الدُنيا والمَلاَيكة وبعدين يعني؟» هاتف الملكة الخلوي يرنّ، فتستأذنه وتخرج.
هنا، ولأوّل مرّة منذ 4 أيام، يفكّ السنيورة ربطة العنق ويجلس على طرف أريكة أناضولية.
مواطنة اسمها كريستيان خوري، تقفز من سيارتها ال «هيونداي» بعد ما سقط عليها احد الأقواس المرفوعة للماراتون وتنجو بأعجوبة، فرقة الجيش الموسيقية على جادة شارل حلو مستمرة في عزف «نشيد المظليين» أمّا قائدها فتركهم وهُرع وأحد مساعديه لمساعدة المواطنة وتهدئة روعها.
المرأة لا تقبل الحادثة وتصرّ على التعويض المعنوي قبل المادّي وتريد رقم مي الخليل شخصياً، لا العريس ولا الداعوق، ولا حتى مكسيم شعيا! (راجع عاجل 2).
هذا كلّه كثير، كثيف، خيالي لكنّه وقع والليل بعدُ بعيد.
كل الذي حصل لا مكان للقوّات الدولية فيه، لاحِظوا.
لكنّ النهار لم ينتهِ بعد ولا مشروع الاعتصام الطويل.
أين القوّات الدولية مثلا في هذه اللحظة؟ إنّ سحر طبيعة بنت جبيل خيالي أيضا، لكنها موجودة.
إنّه يوم الأحد نفسه هنا وهناك. يومٌ منعشٌ ومشمس.
الجنرال بيلليغريني متمدّد يستظلّ صفصافةً للهضم، لم يُرد الجنرال، ظهيرة هذا اليوم، أن «يَكسفَ» جنوبياً واحداً فأكل كل ما قُدّم له من «ملسا» وأكل كمّونتها طبعاً.
في أمر اليوم: استرِح، لا خطف جنود اليوم، لا تحليق طيران اسرائيلي حتى الساعة.
إنّ أمن اسرائيل في أحسن أيامه، هذا اليوم.
تذكّروه انتم ايضاً، انّه يوم 3-12-2006.
تَمّت

ليست هناك تعليقات: