08‏/12‏/2006

عاجـل [3]

عاجـل [3]
زياد الرحباني
جريدة الأخبار الجمعة ٨ كانون الأول2006
السنيورة يشعر بالضغط المتعدد، وجهه بدأ يعبق ويَصعُب عليه في اللحظة أن يَحُلَّ ربطة العنق الملازمة لرقبته.
يُخَيَّلُ إليه إن فَعلها سيكون هذا تنازلاً أولاًً للمعارضة.
هذا خارج الحسبان.
فلتُبَلِّط هذه الثورة البحر! أقَلَّهُ ما تردمه سوليدير، فالمتَبَقّي من المياه الاقليمية أصبح يسيراً.
الرئيس متماسك، مصمم ومُحَبَّب، مهذب، مرتب فلماذا اللعب بربطة العنق في لحظة تاريخية حرجة؟
الربطة على عِقدتها منذ أربعة أيام وهي إن دَلَّت على شيء فعلى صلابة موقفها وعِناد الرئيس.
البارون مروان حمادة في غرفة مجاورة، يَبُخُّ أفكاراً تصعيدية مستوحاة من «حرب النجوم» و«اقتحامات الكواكب» فيطلب السنيورة إغلاق بابه وباب البارون ويُعَمِّم على حرسه انه في اجتماع ليختلي دون أن يختنق، إنه لا يتحمل اقتراحاً اضافياً واحداً.
يقرأ الفاتحة فلا تفتح.
إنه الانسان النموذجي في اللحظة المثالية لما يُسَمّى: لا يُحسَد على...
وئام وهاب في هذه الحين من على المنبر وقد اعتلاه، يَعُرُّ على اللقاء الديمقراطي ويلعن الساعة والأب وأم الإشتراكية الدولية في مهدها. فيلهب المحتشدين وأكثرهم تأثراً: الدروز.
الدفاع المدني لا يتأخر، فينقل أشد الملتهبين ويُسعف.
الشيوعيون يقسمون: ما في نوم بعد اليوم، إرفعوا أيدي الـ «أف بي أي» عن التحقيق الدولي، وأين صار هذا التحقيق في اغتيال «أبو أنيس» القائد والسيد رفيق الحريري أيضاً.
طليعة متسابقي الماراتون دخلت منطقة برج حمود.
مشاهدون من الجانبين يتابعون، منهم من يسألهم بلهفة: «من أين تأتون؟ كيف الأجواء في بيروت؟ هل أنتم من المعارضة؟» لعل حملة الماراتون الاعلامية لم تُرَكّز بما فيه الكفاية على موعد الماراتون الجديد وعلى نشرات باللغة الأرمنية.
بالمقابل بعض شباب الرامغافار (الأرمني) مندسون بينهم، يحملون أمواساُ مخفية بين أكمام قمصانهم، لا يتفرّجون، إنهم يتفرّسون في وجوه العدّائين عَلَّهم يقعون على عدّاء تركي أحَبَ أن يركض من أجل لبنان رغماً عنهم وعن قرار الحكومة اللبنانية واسطنبول.
فلا خسارة في حال وُجِد من أن «يَشطِبوه».
بطرس حرب، في هذه الأثناء، وَجَدَ طاولة في السراي إنما أصغر من تلك التي تحاوروا حولها، فجلس الى جانبها يُفَكر بما آلت إليه الجمهورية، رئاسته الجمهورية، فما العمل؟
ميشال نائلة معوض يتمرن على خطاب غاضب يُعِدّه لقوى المعارضة ولا يعرف حتى الآن لا متى ولا أين سيلقيه إنّما يحاول التركيز على ألّا يؤثر الصراخ الصادر منه سلباً على حرف «الراء».
وَصَلَ حارسان أغلقا باب الردهة التي يخطب فيها بعدما استأذناه هو وفخامة الرئيس بطرس حرب الصابر الى جانب الطاولة الصغرى فصوت الرفيق ميشال يصل الى السنيورة وهو ما زال في الاجتماع نفسه مع نفسه.
الملكة الأم، «ماري انطوانيت معوض» تستذكر تطويق «الباستيل»، تغوص في التأمل: «ياه كم أن التاريخ يشبه نفسه!»

ليست هناك تعليقات: