22‏/01‏/2007

الرأس المعطَّل

زياد الرحباني

الاثنين ٢٢ كانون الثاني ٢٠٠٧، جريدة الأخبار

إلى متى سنظلّ ننتظر قمعاً ما فوق الطبيعة لنعود إلى رشدنا؟

نحن اللبنانيين يا شعب لبنان العظيم والفهيم.

إلى متى سنظلّ نتسلّى بالترحّم على أيام الاحتلال التركي مرة والانتداب الفرنسي مرتين؟

وماذا سنفعل إن علمنا أن الدولتين المذكورتين لن تعيدا التجربة حتى لو مُلّكتا مال الدنيا؟ وقتها ما العمل؟

أسأل وأنا شبه متيقّنٍ ويا «للأسف المدنيّ»، أننا لن نعود إلى رشدنا إلاّ عسكرياً.

سنعيد ترتيب الرشّدِ في ظلّ حالةِ طوارئ محمومة مطبقة، عنوانُها منع التجوّل.

ناهيك بالأحكام العرفية «آ» والله.

متى سنتخلّى عن «عين الصواب الخاطئ» التي نتشبّث بها، وكلٌّ على حدة؟أعزائي وُجد المصعد الكهربائي لينقل الإنسان عمودياً وبسرعة أكبر وتعب أقلَّ إلى الطابق الذي يريد.

فهو يوفّر عليه وعلينا، وحتى عن اللبنانيين، عناء السلالم الكثيرة دائرياً وصعوداً، كما يوفّر علينا الإرهاق الجسدي الكبير والشعور بالدوران.

وقد اعتُمدَ في جميع أنحاء العالم الرأسمالي والاشتراكي حيث كان ذلك ممكناً.

لا بل إنه أصبح حقاً بدائيّاً بسيطاً لجميع الناس من كل الأصناف والأعمار.

حق مرافقٌ لسكناهم وعملهم، فما المشكلة؟ إن المصعد، عادة، يحلّ المشكلة. ما المشكلة؟ إن المشكلة ليست في المصعد. يدخل اللبناني من الشارع إلى الطابق الأرضي ويتّجه كباقي البشر نحو المصعد. يَشْتُم انتظاره ووصوله، سيّان. يصل المصعد فيدخله ويضغط على الزر وينتظر. المصعد لا يعمل! هل هو حظه، حظنا؟ كلا. يضغط مجدّداً ويعيد ويكثّف الضغط إلى درجةٍ تقارب مشروعاً للتكسير. شيء واحدٌ يشفع في هذه الأثناء بالمصعد وهو وجود مرآة داخله، فهو يستطيع أن ينظر من خلالها إلى نفسه بانتظار الانتظار، فهو سيطول ولا مجال فالمصعد معطّل. المصعد فاشل، وكل مصعدٍ في الأرض فاشل، حتى الاختراع مشكوكٌ في أمره. وهل كان جدودنا مخطئين وقد عاشوا وماتوا دونه؟

أعزائي، رحم الله الجدود وأطال في عمر أحفادهم والمصعد غير معطّل. إن الضغط على زر الطابق الأرضي، يُستعمل عندما يكون المرء، وحتى اللبناني، في الطوابق الأخرى. ولا يعني بشيء للمصعد أن تضغط على زر الطابق الذي أنت فيه. إنه لا يقدّم ولا يؤخّر وفي حالته لا يُنزّل ولا يُطلّع.

إن إصراركم على الضغط على زر الطابق الأرضي وأنتم فيه لن يؤتى ثماره ولا الخضار ولا عصير البرتقال.

إن هذا العناد وهذه العنجهية، إن هذا الجهل السحيق المرفق بعزّة نفس نادرة وقد سُحبت من التداول، إن هذه المرآة التي في المصعد والتي تزيد الإباء إباءً لن تأخذ بنا إلى مكان، لا بل إن هذا كلّه سيمكّن أيّ زائرٍ للمبنى من أن يطلب المصعد من أيّ طابقٍ يريد فيأتيه واللبناني فيه، وهو لا يزال رافضاً لأبسط القواعد والبديهيات ولا يركع!

وهو لن يصعد أبداً إلى أيّ طابق لأنه موجود في الطابق الأرضيّ ويصرّ على طلبه.

إنه يطلب نفسه، والمرآة هنا ليرى لا شيء سواها. قد يكون ذلك مأموناً في بناية مهجورة إلاّ من هذا اللبنانيّ، لكننا لسنا وحيدين في المبنى لسوء الحظ، وسنُطلَبُ أو نُسحَب إلى الطوابق التي يطلبها الآخرون.

قد نكون محظوظين إذا كان الطابق الأرضي هو الطابق الأدنى ولا طوابق تحته.

وإلاّ لكنّا سنُطلَبُ أيضاً من تحت الأرض في وقتٍ ربما نفكر فيه في الصعود إلى الطابق الأخير ونسينا.

قد يطلبنا أحدهم من الطابق الثاني تحت الأرض ويغيّر فكره ويغادر لطول انتظاره، فنحن في المصعد ونضغط على الزر نفسه. فينزل بنا المصعد طابقين ونبقى هناك.

عندها وعندها فقط، قد يفيد إصرارنا على كبس الطابق الأرضي، فهو في أحسن الأحوال سيعيدنا، إن شاء الله، إلى الطابق الأرضي، سيعيدنا «أرض ـــ أرض» حيث كنّا.

هكذا تتميّز الشعوب وتبرز، هكذا ترتقي الأوطان ويشعّ المستقبل والرأس المعطّل.

ليست هناك تعليقات: