05‏/09‏/2012

ما العمل؟ في العيد الأول

زياد الرحباني
... لهذه الأسباب ولغيرها، كتعاظم دور المنظمات الأهلية «غير الحكومية» واستفحالها، ولاستحالة الركون الى «جماهير» دول عدم الانحياز وأدبياتها، ولأن العالم في النهاية كما في البداية مقسوم على < رقم القسمة المتني> أي (2)، أعود اليوم الى العمود نفسه.
وكان فريق «الأخبار» قبيل صدورها، قد طبع منشوراً بعنوان «شو الأخبار؟» للتعريف بالشؤم الورقي المنتظر وفيه كلمات لجوزف سماحة وإبراهيم الأمين، عصام الجردي، زياد عاصي الرحباني، وخالد صاغية، يُفترض أنه كان يروّج لتعددية الرأي المرتقبة في الصحيفة عند صدورها، وبالتالي: للديمقراطية...
للموضوعية... وكل ما يمكن أن يُلحّن على هذه القافية. كان ذلك قبيل الرابع عشر من شهر آب 2006. وقد ذكرتُ في حينه وفي المنشور المذكور ما يلي نصّه:
“... وكوني لست إطلاقاً من المهووسين «بالديمقراطية» ولا، طبعاً، بالتفتيش عنها، إن وُجدتْ، وَجَدْتُ في فكرة التأسيس لصحيفة كهذه وتجمّع الأسماء الذي سيعمل على إصدارها، مكاناً لا بأس به للتعبير ــــــ كونهم «ديمقراطيين» ـــــ عن الإشتراكية العلمية وشيء من الديكتاتورية”.
فلهذه الأسباب التي كان لا بدّ من ذكرها أعود الى العمود. أعود ولا أدّعي بأن الجواب عندي، عن أي سؤال كان، إن عن شهر أيلول الذي يبدأ اليوم أو عن الشهر القادم.
أعزّائي القرّاء، لقد طُعنتْ الموضوعية لا بل تمّ تحديد جوهر معناها في كلمة رئيس الولايات المتحدة الأميركية جورج والكر بوش التاريخية في حينه أي قبيل اجتياح العراق في العام 2003، عندما قال: “كلّ من ليس معنا هو ضدّنا!». ولم تكن هفوة على الاطلاق كما أُشيع فالكلمة تلك هي على الأرجح لنائب الرئيس، ديك تشيني... مينيموم.
إن الموضوعية يا إخوتي في رأيي وفي رأي أصدقاء الطفولة في البيت الأبيض والبنتاغون، هي حصراً: كلّ ما ثَبُتَ أنه أصبح «حدثاً»، بالتالي لا منطق ولا جدوى من الجدل بخصوصه. والمفترض بالتالي أنه متطابق كليّاً حتى بين طرفين متنازعين على الذاتية أو الموضوعية أو الحرية أو الديمقراطية.
يبقى أن خبراً تلفزيونياً مفاده: “... وقد أسفر الحادث عن مقتل خمسة أشخاص جنوب اليمن، من بينهم تسعة جنود أميركيين من الوحدات الخاصة المتمركزة في عمق المناطق الحوثية» ــــ هذا الخبر طبعاً لا يُعقل لا ذاتياً ولا موضوعياً. لذا، فإنك ترى أنّ الأطراف المتناحرة، في معظم الاحيان، تُجمع على استعماله.
ننشر تباعاً وحتى نُكمل فعلاً من حيث انتهينا، 12 مقالاً مختاراً مما سبق أن نشر بين 2007 و 2008. آملين أن يُفهم مضمونها هذه المرّة، كون اللاحق الجديد الآتي بعدها سيغدو مستعصياً على الذهن اليومي المثقل، في حال لم تُفهم أو جرى التشهير بصاحبها لغاية في نفسَيْ يعقوب ومريم (!= يعقوب // !! = مريم) = !!!
■ ■ ■
في العيد الأول
إلى العزيز، الأستاذ جوزف سماحة المحترم
تحية وبعد
أما وقد مرّ العام الأول على صدور «الجريدة»، هذه التي حلمتَ بها منذ لا أدري متى، ونحن مجتمعون في الغرف نفسها التي توزعتموها في البداية، مجتمعون لإصدار عدد الرابع عشر من شهر آب، بورق إضافي رمزي، لهذه الذكرى، لم نفكر لحظة، يا عزيزي، بمن يمكن أن يهمّه ذلك، أو تلك المناسبة، لم نفكر لأنه يهمّنا نحن. أجل...
لقد أردنا أن، وقررنا أن، لقد صمّمنا على أن يهمّنا... المكان والزمان وهذا المبنى وكل هذا الشيء الذي يُصدر صحيفة فجر كل يوم. كل هؤلاء الناس العاملين هنا، مطأطَئي الرؤوس، يقودون طاولاتهم وراء الأخبار وتعرفهم جيداً.
فأنت والعزيز إبراهيم، من درتما عليهم تجمعانهم واحداً واحدةً لتُجمع معهم الكلمات الصائبة وتصيب، ليُشعَل مرةً أخيرة، أملٌ طَموحٌ قبل المغيب، جمعتماهم بوجه أعداء البلد البسيط السهل والعاصي... وها هم اليوم يا «أبو الزوز» (مع حفظ الألقاب والصور) نجحوا معاً ويريدونك أن تعلم ذلك. أن تعلم وتبلّغ في العلى كما في التراب، كل من آمن بأرضه وشعبه وسَبَقَنا: أننا نجحنا. وسننجح بعد! لأن العدو ضخم لكن جبان، لأنه يقوى في الليل، أما نحن ففي النهار، لأنه يصدر الكثير من الدخان الأسود، لكن الشمس أقوى والريح، لأنه لم يقرّر أن يموتَ ويعجزُ عن ذلك. ورغم ذلك هو، كنفطه والذهب، لا يفهم أو ينفع إلا بالاحتراق!
عزيزي جوزف
يا رفيق الدوام، يا ملك الروح الطويلة والنبيلة
اكتشفت، منذ غيابك، أنني لم أقتنع بالغياب هذا، أو بهذا النوع من الغياب، لم أقتنع أو أنني لا أصدق. كل ما أعترف به، هو أنني لم أعد أراك شخصياً. لكنني اكتشفت في المقابل أن كل ما يصوّره العقل لا يُمحى فلا يُنسى فلا يموت. الصورة واضحة جداً. الصورة نقيّة، مطبوعة، لذا فهذه الصورة تُنقَل، هذه الصورة تُكبَّر، يمكن أن يُطبع منها الملايين. ونحن هنا طبعاً، فقد أصبح لنا مكان وزمان يُذكران في الأخبار.
(نشر في ١٤ آب ٢٠٠٧)
سياسة
العدد ١٧٩٧ السبت ١ أيلول ٢٠١٢

ليست هناك تعليقات: