26‏/02‏/2007

باسمِ الحُفنَة...

زياد الرحباني
الأخبار الاثنين ٢٦ شباط ٢٠٠٧
إن الله يحبّ جوزف سماحة. فلقد قرّر سبحانه أن ينجّيه البارحة، من أعراض وأحقاد العديد من العديدين.
خطفه كالبرق من بين كل المتربّصين به.
إن الله يحبّه، فهو يعرفه جيداً، وللرفيق جوزف مكانةٌ عنده.
يعرفه ويخاف من أعدائه عليه.
يعرف أنه لا يحتاط، وأنه ضد التدابير الأمنية الشخصية والمرافقين، يعرف جيداً كم هو مستهترٌ أحياناً بحقّ نفسه، فأخفاه عن السمع والأنظار.
أعدّ له ميتَةً شهمة، مختزلة خاطفة، خصّه بميتَةٍ بليغةٍ ولائقة، بعيدة عن وحُولِنَا العارمة، طالعةٍ من وسخنا المتراكم اليومي، النهاري الليلي اللامتناهي لا بحولِهِ فكيف بدونه؟
مات ميتَةً يسمّونها منذ قديم الزمان الأفضل الأرحم: ميتَةَ ربّه... بكل نظافة، بكل تجرّد.
ميتَةً ليست حلوة بالتأكيد لكنها، سيّدةٌ، حرّة، مستقلّة!
لا مجهولَ من زمرهم ليُدّعى عليه فيها، ولا مشبوه.
لا يدَ لجانٍ عميل، لمتطرّفٍ درزيٍ، مارونيٍ أو سُنّي، لا يقرأ وإن قرأ لا يفهم. لا إصبعَ «لِنِسٍّ» من أكثريتهم حاقدٍ عليه... لم ولن يَبْلُغَهُ، فقد رحل.
غدره الرفيق جوزف خلال ليلة البارحة، فنكّد عليه المتبقي من حقده على مدى الحياة، وأفشل بالمختصر كل محاولات التخلّص منه.
أساساً، فربّهُ سبق الجميع، ورحل به من على الطريق العسكري في جنح الظلام.
ربّهُ يحبّه، قلتها لكم وأكرّر، ربّه يحبّه ولو أنه كفَرَ مرّةً، لو أنه كفَرَ مرّات.
فالربّ يا إخواني قادرٌ على أن يحبّ الكفار كما المؤمنين.
بل إنه يفضّل الكافر الطيّب النظيف المعطاء على المؤمن الآخذ الآثم الشرّير...
وها قد أفلت الرفيق جوزف سماحة منهم ولكن منّا أيضاً في فجر 25 شباط.
فما العمل الآن؟ ما العمل «الآن هنا»؟
كما كان الرفيق يُعَنْوِنُ افتتاحيته في «السفير».
لا توجد ميتةٌ حلوة بالتحديد، كما أنه في المقابل لا حياة حلوة بهذه السهولة.
وستشحّ حلاوتها كثيراً دون شيوعيٍ أصيلٍ عنيد.
أنا لستُ حزيناً في هذه اللحظات، «الآن هنا»، أنا غضبان، وخائف بعض الشيء.
أمّا الحزن فلا... سأحزن لاحقاً مع بعض أصحابه الحزينين.
إن أعداءنا، يا حفنة المتبقين، يا حفنة الشيوعيين النضرين النادرين، يا بعض الباقي من أصابع اليدين، وهذا ما يخيف، إن موت الرفيق سماحة يستنفرني فَلْيَستنفرْكُم!...
إن أعداءنا يدورون حولنا كلّما استطاعوا.
إنهم مصمّمون باقون، إنهم يحاولون يحتشدون، ولم يبقَ لديهم ما يهوّلون به منّا على أعراضهم ويخيفون الأطفال، سوى أننا: سوريّون، أفغان، طالبان، وفرس.
سوى أننا كارهو لبنان، حاقدون على الحياة فيه، مجرمون واستشهاديون، آكلو متحضّرين، سيستولون بعد تطيير المحكمة الدولية، على السلطة ويحكمونهم.
وعلينا أن نواجه هؤلاء دون الرفيق سماحة.
نحن أضعف في هذه اللحظة لأننا خسرناه، فنحن سنواجههم بدونه.
الحزن والانهيار الآن، قاتلان.
لا! نَفَسُ جوزف طويل وقد تنفّسنا عمراً معاً، وحَّدْنا الأنفاسَ قبل الأهداف، وهذا وقت التنفّس المثالي العميق والطويل.
في نهاية هذا الأحد الماطر الشاهق، أؤكّد لك يا رفيق، أنك زدتَني تأكيداً، أنَّ ما نحن مؤمنون به، هو مستقبل الإنسان اللازم وهو الصحيح ولا يصحّ غيره.
في هذه اللحظات لا أعرف ما هو الرابط بين موتك وبين ارتفاع مستوى تمسّكي بالتزامي، لكنني سأعرف لاحقاً.
فلهذا علاقة بالعقل والعقل الهادئ، والقناعة دوماً أقوى من العقل. فكيف “الآن هنا”؟
كنّا نفضّل، كنّا وما زلنا نعشق أن تكون معنا يا جوزف في طريقنا المتبقّي، لكنّكَ ذهبْتَ، لكنّكَ... ذَهَبَ.
ماذا نفعل؟ إن الأعمار بيد الله، لكن النصر بأيدينا.
فَنَمْ عميقاً ولا تَخَفْ!

ليست هناك تعليقات: